معلومات عن اضطراب الشخصية الحدية
عالمنا مليء بالأمراض النفسية والعقلية، حتى الأشخاص الأصحاء عقلياً لا يُمكن أن يكونوا أسوياء في حياتهم على مرّ الزمن، فكلٍ منّا تتغلّب عليه في معظم الأحيان مزيج منَ المشاعر المختلفة ما بينَ الحزن والسعادة والإحباط ونوباتٍ متكررة منَ الغضب وفقدان السيطرة على النفس، وخاصةً في ظلّ الوضع الراهن من أوبئة وفيروسات وحجرٍ صحيّ وتدّني المعيشة وارتفاع مستويات البطالة وقلّة المستوى الاقتصادي والحروب جعلت من كل فردٍ منّا معرّض للأذى النفسي ويُواجه مشاعر مختلطة خلالَ يومه.
ومنَ الجدير بالذكر، أنَ اضطراب الشخصية الحدية واحداً منَ الاضطرابات التي يفهمها الأغلبية بشكلٍ خاطئ، فيعتقدون أنَ المُصاب بها يُحاول متعمداً أن يفقد السيطرة على أعصابه من أجل جذب الأنظار إليه في المكان الذي يتواجد فيه، ولكنهُ على العكس من ذلك فهوَ اضطراب نفسي وعقلي في الوقت ذاته وتُصاب بهِ فئة البالغين بكثرة، ولذلك ما هوَ اضطراب الشخصية الحدية؟ وما هيَ أعراضه؟ أسبابه؟ وطرق علاجه؟
ما المقصود باضطراب الشخصية الحدية BPD؟
يُقصد باضطراب الشخصية الحدية Borderline Personality Disorder مجموعة من الأفعال والمشاعر التي تصدر منَ الإنسان وتُعبّر عن استيائه وسوء فهمه للطرف الآخر، فشخصيته في الحياة الطبيعية تكون غير متوازنة من ناحية العواطف فتشعر في موقفٍ ما أنهُ متهور بسرعة أو أنهُ منفعل ويُصدر أحكاماً وردوداً على الطرف المواجه لهُ بطريقة تُسبب الإنزعاج والنفور منهُ على الفور.
ونوّد الإشارة، أنَ العلاقات الاجتماعية لهذا الفرد المُصاب بالاضطراب تكون شبه معدومة، وأحياناً ينفصل عن عمله أو دراسته بسبب مشاكله الزائدة لأنهُ لا يُسيطر على أفعاله، بالرغم من أنهم يسعون لتكوين الصداقات أو التقرّب منَ الأفراد ولكنهم لا يُلاحظون إلّا أنَ عزلتهم ازدادت أكثر ويُصابون بخيباتٍ متكررة بسبب تقلباتهم المزاجية واندفاعهم المتهور ومشاعرهم غير المستقرة بعد.
ويُمكن ملاحظة هذه الشخصية على أغلب الأطفال الذينَ ينتقلون من مرحلة الطفولة إلى البلوغ والمراهقة فيصعب فهمهم، تارةً نُلاحظ أنهم سعداء ولديهم محيط إيجابي وتارةً أخرى نشعر بصراخهم وتقلباتهم وعدم استقرارهم على رأيٍ محدد، ونوبات غضبهم المتكررة تدّل على عدم نضجهم العقلي وتصرفاتهم الخارجة عن الحدود في أغلب الأوقات.
وبالانتقال للحديث عن معنى كلمة {حديّة} فقد تمَ اختيارها في عام 1938 من قِبَل متخصص في علم النفس التحليلي يُدعى {أدولف شتيرن} وكانَ يقصد بهِ أنَ المُصابين بهذا الاضطراب على مقاربةٍ بينَ مرض الذهان والعصاب وأعراض مرض الفصام وعلى حدٍ بينَ كل واحدة منهما ولذلك اختارَ هذا الإسم.
ما هيَ أعراض اضطراب الشخصية الحدية BPD؟
بالتأكيد توجد عدّة أعراض تظهر على الفرد المُصاب بهذا الاضطراب ويُمكن التعرّف عليها من خلال:
- الشعور بالملل المستمر والحالة المزاجية السيئة.
- انعدام العلاقات الاجتماعية واللجوء إلى الوحدة والانعزال.
- الشعور بحالةٍ منَ الاكتئاب والتفكير المستمر بالأحداث اليومية.
- أحياناً يُحاول المُصاب أن يكون عدوانياً أو عنيفاً معَ الطرف الآخر.
- القيام بسلوكياتٍ خارجة عن حدود المألوف مثل الصراخ المستمر في وجه الوالدين أو التدخين أو استهلاك الكحوليات أو حتى التهوّر في الآراء والأفعال.
- الشعور بخوفٍ دائم منَ الفراق، مثل فراق الشريك أو شخصٍ يشعر المُصاب بأهميته.
- الميل لسلوكياتٍ مؤذية للنفس مثل الانتحار أو الأذى الجسدي.
- الميل إلى قول كلام ساخر ويدّل على إهانة الطرف الآخر أثناءَ فقدان المُصاب لأعصابه وازدياد موجات غضبه.
- الشعور بتدني قيمة الذات والتقليل منها مثل اعتقاد المُصاب أنهُ لا يستحق النجاح أو أنهُ إنسان سيء.
ما هيَ أسباب الإصابة باضطراب الشخصية الحدية BPD؟
إنَ الأفراد المُصابين بهذا الاضطراب، منَ المُمكن أن تتواجد عدّة عواملٍ حصلت لهم وأدّت إلى إصابتهم بها، ومن أبرز هذه العوامل:
- اضطرابٍ دماغي: أحياناً يُصاب الفرد بتغيّراتٍ في عمل دماغه بطريقةٍ صحيحة، فالمواد مثل السيروتونين التي لها دور فعّال في تنظيم المزاج عندَ الإنسان قد لا تعمل بطريقةٍ صحيحة مثلَ باقي الأفراد، وبالتالي ينجم عنها خلل في المزاج ما بينَ السعادة والحزن والاكتئاب وغيرها، كما أنَ تنظيم عمل العواطف داخل الدماغ البشري قد تتغير في دماغه وتُؤدي لازدياد حدّة العدوانية والعصبية.
- الطفولة السيئة: أيضاً الإصابة بهذا الاضطراب قد ينتج عن فقدان الطفل في عمرٍ مبكّرٍ لوالديه أو حدوث انفصال بينهما ومشاكلٍ لا تنتهي أدّت في تشتت ذهن الطفل ما بينَ بقائه معَ والده أو والدته، وبالإضافة إلى ذلك الضرر الجسدي أو العنف النفسي من قِبَل المربين يُؤثر على حالة الولد النفسية وخاصةً إذا كانَ يتعرّض للضرب أو الإهانة أو التحرش بهِ ولم يتم علاجه في وقتٍ سابق.
- الوراثة: منَ العوامل التي تُسبب الإصابة باضطراب هذه الشخصية، فعلينا الإشارة أنهُ إذا كانَ والد الطفل أو أحد أقربائه مُصاباً بهِ، فيوجد احتمال كبير أن يرث الطفل هذه الحالة ويُصاب بها وتُؤثر على حياته في جميع الأصعدة.
ما هيَ طرق علاج اضطراب الشخصية الحدية BPD؟
إذا كانَ أحد أطفالك أو أقربائك يُعاني من هذا الاضطراب، حاول أن تكون على عكس الباقين فلا تنسحب من حياته وتجعلهُ يشعر بضغطٍ أكبر ووحدةٍ متزايدة، فتوجد عدّة علاجات تُسهم في إعادته إلى الحالة الطبيعية ومساعدته على إكمال دراسته أو طموحه إذا تخلّى عنهم، ومنها:
- الدعم الأسري: يجب على الوالدين والأشقاء أن يتقرّبوا أكثر من طفلهم الذي يُعاني من اضطراب الشخصية الحدية، فعندما يشعر بالأمان والحب الناتج عن أصدقائه وعائلته قد يُساعده الأمر في اجتياز هذه المرحلة الصعبة إلى جانب العلاجات الأخرى.
- العلاج الديالكتيكي من قِبَل الطبيب: يجب على المقربين منَ المُصاب أن يبحثوا عن معالجٍ نفسيٍ ممتاز من أجل مساعدة الفرد في فهم شخصيته وضبط انفعالاته ومشاعره وأفكاره وعدم تسرّعه، وتعليمه أهمية التفكير في كل خطوةٍ يقوم بها، والمعالج سينشل أفكاره المؤذية عن نفسه تدريجياً ويستبدلها بأفكارٍ تُساعده على الوثوق بنفسه وزيادة حبه لذاته.
- العلاج الديناميكي النفسي: يترافق هذا العلاج معَ وجود مختصٍ بهِ يُساعدك في إعادة تحديد عواطفك وتعزيز عواطف إيجابية داخلك والتجربة بها، مثال على ذلك: أثناءَ عودتك إلى المنزل سيطلب منكَ المعالج أن تُساعد والدتك أو تجلس معَ أشقائك للضحك معهم ولتكوين صداقاتٍ جديدة بشكلٍ تستطيع بهِ السيطرة على مزاجك وأفعالك.
لا تعتقد أبداً أن تلتقي بشكلٍ دائم بالأفراد الأصحاء عقلياً ونفسياً، فكل فردٍ منّا يُعاني من ضغوطاتٍ قد تفوق قدرته على التحمل، وبالتالي يُفجر غضبه في أي شخصٍ يقترب منه، وأنتَ كإنسان تتميز بالوعي والقدرة على التحكّم بنفسك، حاول أن تكون الملجأ للمُصاب إذا كانَ قريباً منك، وتُساعده على حب الحياة من جديد وتختر معهُ الطرق الصحيحة لانتشال المرض منهُ بدلاً من تجاهله لمرضه الذي سينهشه إن لم يتعالج.
{{نأمل أن يعجبكم المقال أيها الرائعون}}.