تعريف التفكير الناقد
إن فهم الموضوعات بجوانبها المختلفة للتعامل معها بصورة صحيحة لا يتطلب بالضرورة كثرة التفكير، وإنما التفكير بطريقة نوعية تتمثل بالتفكير الناقد باعتباره فن استخدام العقل في تحليل الأفكار، وبناء رؤى وتصورات جديدة.
فالتفكير الناقد هو عملية ذهنية يؤديها الفرد عندما يحتاج إلى حكم على قضية، أو مناقشة موضوع، أو إجراء تقويم، عن طريق تحليل المعلومات، أو فرزها، واختبارها بهدف التمييز بين الأفكار، وهو لا يرتبط بمرحلة عمرية معينة، وهو يساعد على عدم تشبث الفرد بأفكاره، ومن خصائصه القدرة على الحكم بموضوعية ودقة، ويساعد على تجنب تعصب الفرد برأيه.
التفكير الناقد يمنح القدرة على تحليل الوقائع، وتحرير الأفكار وتنظيمها، وتحديد الآراء وعقد المقارنات، والتحرر من التبعية للآخرين، ومن تبعية الأفكار الموروثة، والتوصل للاستنتاجات وتقويمها، وحل المشكلات من خلال التدرب على استخدام العقل بطريقة منطقية وبدون تسرع، وكل ذلك مع تجنب الأخطاء في الحكم.
يجب أن يترافق التفكير الناقد المنطقي مع الحوار السليم للوصول إلى النجاح، كما يجب أن يترافق مع البحث عن الحقيقة باستخدام الأساليب العلمية في التفكير بمهارة لزيادة إمكانية تقييم الحلول المتوفرة، والوصول إلى الحقيقة التي لا شك فيها.
أهمية التفكير الناقد
- القدرة على الحكم على الأشياء، وذلك من خلال الإلمام بالقضية من جميع جوانبها، وطرح الأسئلة التي تساعد في توضيح الصورة كاملة، وإجراء المقارنة بين الخيارات المطروحة والمتوفرة، ومن ثم الوصول للحل الأفضل.
- القدرة على التفكير بشكل منطقي للوصول إلى حل عقلاني للمشكلات، وبالتالي المرونة في التعامل مع التغيرات في مختلف المجالات.
- التحقق من المعلومات والقضايا من خلال البحث عن دليل أو برهان لإثباتها أو دحضها.
- يعزز التفكير الناقد القدرة على التعبير عن الأفكار، وبالتالي إمكانية التعبير عن الذات بطريقة صحيحة.
- الاعتراف بالأخطاء والتعلم منها، الأمر الذي يساعد في حل المشكلات بالطريقة المثلى.
- تحليل الأفكار والمعلومات مع القدرة على تقييمها، والاستفادة من القرارات الشخصية.
- تعزيز الاستقلالية في التفكير والتحرر من التبعية للآخرين.
- تطوير القدرة على قبول الآخرين وفهم وجهات نظرهم بعقلية منفتحة.
- قبول النقد وجمع ملاحظات الآخرين، ومحاولة الاستفادة من الأفكار المطروحة، وإصدار الحكم بدقة وعدل.
خطوات التفكير الناقد
هناك مجموعة من الخطوات التي يجب على المتعلم القيام بها حتى يصل إلى التفكير الناقد السليم، ومن أهمها:
- الملاحظة: وهي شعور الفرد بحالة من التناقض حول قضية ما، وعندها يبدأ بالدراسات وجمع المعلومات المتعلقة بالقضية المدروسة.
- الاستكشاف: وهي مرحلة اكتشاف التناقضات من خلال طرح الأسئلة، لتحديد الأفكار الصحيحة، واستبعاد الأفكار العشوائية وغير الصحيحة.
- مناقشة الآراء: تتم في هذه المرحلة مناقشة جميع الأفكار المتعلقة بالقضية، وتمييز نواحي الضعف ونقاط القوة في هذه الأفكار بطريقة موضوعية بعيدًا عن التحيز والذاتية.
- صياغة الأدلة والبراهين: وهي مرحلة الوصول إلى النتائج، وتقديم البراهين والحجج على صحة الحكم الذي تم التوصل إليه.
- تبني التصورات الصحيحة: حيث يتم دراسة الأفكار القديمة والجديدة، وفي حال ظهور تناقض بينهما يتم التخلي عن الأفكار القديمة وتبني الأفكار الجديدة لنستفيد منها في حياتنا.
ويجب التنويه إلى أن هناك مجموعة من الخطوات التمهيدية الضرورية لاستكمال عملية التفكير الناقد بنجاح، والتي من أهمها:
- معرفة كيفية التفكير بطريقة مستقلة بدون التأثر بآراء الآخرين.
- معرفة كيفية تحديد الأهداف من هذا التفكير في موضوع ما.
- معرفة كيفية الوصول إلى هذه الأهداف وتحقيقها بأفضل الطرق.
- معرفة كيفية تقويم الأعمال المنجزة بمعايير موضوعية.
- معرفة كيفية الاستفادة من تجارب الآخرين في أعمال مشابهة، والنتائج التي وصلوا إليها، وتطبيق الحلول الناجحة منها.
- معرفة كيفية مناقشة الأفكار وطرح الأسئلة التي تؤدي إلى نتائج مرضية، وتفتح آفاق واسعة للنقاش.
- معرفة كيفية الممارسة الفعلية للتفكير الناقد البناء.
مهارات التفكير الناقد
يكسبنا التفكير الناقد القدرة على التعامل مع المواقف ومعالجة الموضوعات التي تحظى باهتمامنا وهذا يتطلب الكثير من التدريب على العديد من المهارات منها:
- تحديد المشكلة: وهي دراسة جميع الأمور المتعلقة بالقضية، وبالتالي تشكيل صورة واضحة للمشكلة، والتعمق بمواقع الخلل والعوامل المؤثرة فيها.
- التمييز بين الآراء والحقائق: وتمكن هذه المهارة المفكر من التمييز بين الرأي والحقيقة، فالرأي هو القول المعبر عن الشعور والاعتقاد حول موضوع ما، أما الحقيقة فهي التجربة الموضوعية الثابتة، والاستنتاج العقلي، والبراهين، والأدلة العلمية.
- التحليل والبحث: وهو تجزئة الموضوع بحيث يمكن فهمه بشكل أفضل من خلال التفكير بكل جزء من الأجزاء على حدا، والقدرة على فهم القضية المطروحة من جميع جوانبها، والتوصل إلى الحجج المقنعة من المصادر الموثوقة التي تفيد في اتخاذ عملية البحث الاتجاه الصحيح.
- الحيادية: وهي القدرة على الحكم بدون تحيز، من خلال الإلمام بأمور القضية من جميع جوانبها وطرح الأفكار بطريقة موضوعية، والقيام باختبارها قبل اعتماد الحل النهائي.
- التقويم: وهو تحديد درجة ارتباط المعلومات بموضوع القضية المطروحة مثل: الإحصائيات، والعناوين الرئيسية، وغيرها، مع توضيح الغموض في الأدلة.
- الشرح وعرض النتائج: وهو إعلان نتائج التفكير، وتقريره في ضوء الأدلة والبراهين الواضحة، واكتشاف التناقضات الموجودة.
معايير التفكير الناقد
يوجد للتفكير الناقد مجموعة من المقاييس التي تتصف بها، والتي من أهمها:
- المعرفة: وهي معرفة الشخص ما يدور حوله، والقدرة على توضيح الأمور والإلمام بها.
- الدقة: وهي إمكانية الفرد جمع المعلومات اللازمة مع التأكد من صحة هذه المعلومات، وفحصها لتحديد ما يناسب.
- التنسيق: وهي معرفة مدى تأثير الأفكار بالمشكلة وكيفية حلها بالطرق السليمة.
- بعد النظر: وهي النظر إلى المشكلة من جميع جوانبها، وتحديد العقبات التي تحتاج إلى حل، ودراسة جميع وجهات النظر المتاحة، وتحديد مدى ارتباطها مع الأفكار المطروحة للتمكن من اتخاذ الحكم الصحيح.
- عدم التحيز: وهي القدرة على إثبات الحيادية عند اتخاذ الإجراء المناسب بعيدًا عن التحيز لوجهة نظر المفكر الخاصة.
صفات المفكر الناقد
هناك مجموعة من الصفات التي يجب أن يتحلى بها المفكر الناقد، ومن أهمها:
- النباهة: وهي الإلمام بجميع أحداث القضية ومن جميع النواحي، والقدرة على ربط هذه الأحداث بطريقة منطقية للوصول إلى نتائج سليمة.
- الثقة بالنفس: وهي من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها المفكر، فهي تؤدي إلى الثقة في التفكير، وفي نتائجه في موقف معين.
- النظرة المستقبلية: وهي التي يجب أن يتحلى بها المفكر سواء في القرار الحالي، أو تأثير هذا القرار على المستقبل.
- الصدق: وهي صفة مهمة يستطيع المفكر من خلالها تقديم المعلومات للآخرين بصدق وبدون تحريف.
في النهاية نجد أن مفهوم التفكير الناقد مهم جدًا في حياتنا اليومية، وهو يشمل جميع فئات المجتمع باختلاف أعمارهم، وثقافاتهم، لأنه يجعل الفرد مستقلًا في تفكيره، ويعزز وعيه الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي مما ينعكس بشكل إيجابي على المجتمع بكامله.