زفرة العربي الأخيرة – صفحات من التاريخ – الصفحة الثالثة عشرة

[faharasbio]

زفرة العربي الأخيرة

تقول الروايات التاريخية أنه كان على آخر ملوك الأندلس التعجيل بالخروج، فقد ثار الغرناطيون غضبًا بسبب المعاهدة، التي تقضي بانتقال ملك بني الأحمر إلى أندرش، ليكون عاملاً على البشارات لملك قشتالة، فخرج للقاء ملك قشتالة على ضفة نهر شنيل ليسلمه مفتاح الحمراء، وقيل: إنه رجاه أن يسد الباب الذي سيخرج منه؛ ليكون آخر من يجوزه، ويقولون أيضاً: إنه لما رأى فرناندو؛ همَّ بترك جواده والترجُّل، ولكن الملك المنتصر أَبَى ذلك وعانقه.. ترى هل كان يشكر له صنيعه؟! أم كان يُمعن في السخرية منه؟!

نكَّس آخر الملوك رأسه، وسكت قليلاً ليستجمع أنفاسه، ثم قال لفرناندو: «إن هذه المفاتيح هي الأثر الأخير لدولة العرب في إسبانيا، وقد أصبحتَ أيها الملك سيد تراثنا وديارنا وأشخاصنا، هكذا قضى الله؛ فكن في ظَفَرِك رحيماً عادلاً»، ثم سارا إلى حيث كانت إيزابيلا فحيَّاها، وسرعان ما لحق بأسرته.

منذ أيام وأُمُّه لا تتكلم، صامتة ترفض الطعام والشراب، تندب حظَّ أُمة عاثرة، تقول في نفسها: ليتني متُّ قبل هذا، لمن نترك بلاد الآباء والأجداد؟! كان كل مَنْ حولها يستنطقونها؛ لكنها اختارت الاتشاح بالصَّمت والسَّواد.

وعلى مقربة منها، وفوق ربوةٍ عاليةٍ قريبةٍ منها، وقف وَلَدُها آخر ملوك غرناطة، أطلَّ على غرناطة وعلى قصر الحمراء، كان برغم كل شيء يبدو شامخاً، ظللته سحابة سوداء ذهبت ببهجته، رأى الرايات يراودها الهواء فتتراقص كاللهب، لمح بجانبها صليبًا فضيًا عاليًا فوق قصر الحمراء، سمع الأجراس تدقُّ دون هوادة، تحسَّر على مجده، ومجد أُمَّته الذي ولى، تذكَّر تلك الليالي الصاخبة، ندم على ما فرط في جنب دينه وأمَّته، كان بوسعه أن يحافظ على غرناطة، آخر أمل للمسلمين في الأندلس.. لكنها الخيانة والحماقة!

بكى.. بكى بحرقة.. ارتفع نحيبه، تجاوب معه كل مَن حوله، إلا أمه عائشة الحرة، نظرت إليه نظرة خلعت قلبه، أطلقت صيحة صدَّعت جدران الصمت: «فلتبك كالنساء مُلْكاً لم تدافع عنه كالرجال!».

نكس الصغير رأسه من جديد، ثم أطلق زفرته الأخيرة في هذا المكان، ولا يزال الإسبان يطلقون عليه «زفرة العربي الأخيرة»!

وخرج الملك بعائلته إلى بلاد المغرب وتحديدًا إلى فاس تحت حكم بني وطاس ليعيش فيها ذليلًا معدمًا يطلب أبناءه الناس إحسانًا.

أليس هذا ما درسناه جيلًا بعد جيل وما تم إقناعنا به؟
فما الحقيقة؟
وما صحّة هذه القصة المنسوبة لأبي عبد الله؟ و ما الظروف التي شابت انتقال أبي عبد الله إلى المغرب؟ وما هي المعاملة التي تلقّاها هناك؟ و متى توفي؟ وأين؟ و كيف؟ وما هي الأكاذيب التي لفقها المؤرخون الإسبان لتشويه سيرة أبي عبد الله؟

هذا ما أجاب عنه الباحث الإسباني ليوناردو بيلينا في حوار أجراه معه رفائيل بيلتشيز في مقال
بعنوان: زفرة العربي الأخيرة بين الأسطورة والحقيقة عن حوار مع الكاتب الإسباني ليوناردو بيلينا، حول كتابه: الزفرة الأخيرة للملك أبي عبد الله المكون من 190 صفحة يبين فيه كذب وتلفيق الأسقف أنطونيو غيفارا أسقف قادش وموندونييدو لقصة زفرة وبكاء محمد أبي عبد الله الصغير، آخر ملوك غرناطة الأندلسية الذي توفي بفاس المغربية، ويؤكد على أن تاريخ الأندلس شابه كثير من التحريف والتلفيق.

وما فعله الأسقف غيفارا إنما كان للحصول على مصداقية الإمبراطور شارل الخامس، لنيل مصالح شخصية، حيث أراد تلميع صورته في أعين الإمبراطور شارل الخامس الذي كان في غرناطة لقضاء عطلة شهر العسل بعد زواجه من إزابيلا البرتغالية كما يضيف أن مقولة والدته -التي تسمى فاطمة وليست عائشة كما يدّعون-، حين قالت له وهو يبكي على أطلال الأندلس”إبك بكاء النساء على ملك لم تحافظ عليه كالرجال”، يقول الواقعة مغلوطة وملفقة لتشويه صورة أبي عبد الله وتاريخ الأندلس”.

كما أن المكان الذي يسمى اليوم Puerto d’El Suspirio d’El Moro بالعربية باب زفرة العربي الأخيرة، لم يمر عليه أبو عبد الله حينما سقطت غرناطة وأراد مغادرتها، والواقع يخبر بذلك فعلًا باعتبار أنه لو غادر الحمراء في طريقه إلى “أندرش” ثم إلى “البشارات”، فكلتا المنطقتين عكس اتجاه مكان الزفرة من جهة الحمراء، ولكن القصة تم اختلاقها بتحديد هذا المكان لجلب السياح ونهب أموالهم كما يرى صاحب الكتاب.

وعن موت محمد الصغير وما أشيع أنه مات مشردًا ومهجورًا، يقول الكاتب إنه كله كذب ومحض افتراء ولا صحة لما قاله المؤرخ لويس دي مارمول كارباخال في كتابه المسمى (تاريخ الثورة و عقاب المورسكيين) الذي اعتبر فيه أن سلطان فاس اعتقل أبو عبد الله فأعماه و كبّله بالأغلال حتى يسرق ثروته، ثم تركه يتسول في الشوارع فقد مات آخر ملوك غرناطة كريمًا عن عمر قارب الثمانين محاطًا بأهله وأبناءه بمدينة فاس المغربية.. حيث ترك لنا مذكراته التي جمعت وترجمت في شكل رواية “المخطوط القرمزي“..

[ppc_referral_link]