معنى الحِرابة
اهتم الدين الإسلامي بجميع الجوانب الحياتية التي تحفظ للمسلمين مالهم وأنفسهم من كافة الأضرار التي قد تصيبهم، ووضع الإسلام عددًا من الأحكام التي تخص من يتعرض إلى إنسان مسلم ويؤذيه بطريقة من الطرق مثل حد الحرابة في الإسلام.
ومن أنواع الأذى التي قد تصيب البشر والمسلمين ما يُعرف بالحِرابة.
والحِرابة تعني في اللغة قطاع الطرق، وأما في الاصطلاح تعني الحرابة قطع الطريق والخروج على الناس وتهديدهم بالسلاح لأخذ أموالهم عنوة.
يمكن أن يكون السلاح هو العصي أو الأسلحة الأخرى بأنواعها، وأي أداة يمكن بها إيذاء شخص آخر وقطع طريقه، ويقال لهم قطاع الطريق، كما يقال لهم المفسدون في الأرض.
حذر الإسلام من الحِرابة باعتبارها من المنكرات العظيمة، وسيجيب هذا المقال على سؤال:” ما هو حد الحرابة في الإسلام؟” مع توضيح شروط تطبيق حد الحرابة وبعض من فتاوى الشيوخ المتعلقة بها.(١)
ما هو حد الحرابة في الإسلام
قال الله تعالى في سورة المائدة في الآيتين ٣٣ و ٣٤ ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
واجتمع العلماء في عقوبة المحارب بأنها تتوزع بحسب نوع الجريمة والأسلوب المتبع في التهديد والسرقة، بالإضافة إلى نوع السلاح المستخدم.
لكن اختلف الفقهاء في كيفية العقوبة، وفيما يلي تفصيل رأي الفقهاء وعلماء الدين في حد الحِرابة: (٢)
رأي الحنيفية في الحرابة
رأى الحنيفية أنّ المحارب إذا هم بالحِرابة، ولكن لم يسرق مالاً أو يقتل أحدًا من الناس نفيٌ من الأرض أو يتم حبسه حتى يتوب أو يموت.
وأما إن بدر منه القتل فقتل مسلمًا أو ذميًا كان حده القتل، وفي المقابل إن كانت محاربته سرقةُ المال دون القتل قُطعت يده اليمنى ورجله اليسرى.
وأما إن صدر من المحارب قتلٌ وسرقة مالٍ فإنَّ عقوبته تكون على تخيير ولي الأمر، فإما أن يقوم ولي الأمر بقتله ويصلبه ويقطع يديه ورجله من خلاف، أو يقتله ويصلبه فقط.
رأي الحنابلة والشافعية
اتفقا كلاهما مع الحنيفية، وأضافا على ذلك بأن المحارب بعد أن يصلب يُدفع إلى أهله ليتم غسله ويصلى عليه ثمَّ يُدفن.
رأي المالكية
رأى الإمام مالك أن المحارب إذا قام بالقتل كان جزاؤه القتل أو الصلب، وإن سرق المحارب المال ولم يقم بالقتل أو من أخاف السبيل أي المسلمين في طريقهم، ولكن لم يقم بالسرقة أو القتل فيخير الإمام فيه فإن شاء قتله، أو صلبه، أو قطعه، وإلا ينفيه من الأرض.
قد يهمك: البيوع المحرمة في الإسلام
شروط إقامة حد الحرابة في الإسلام
بعد الإجابة على سؤال: “ما هو حد الحرابة في الإسلام” يجب توضيح شروط إقامة حد الحرابة في الإسلام.
قال ابن قدامة في وصف وتوضيح شروط إقامة حد الحرابة في الإسلام النص التالي، وجملته أن المحاربين الذين تثبت لهم أحكام المحاربة التي سيتم ذكرها تاليًا تعتبر لهم شروط ثلاثة: (٣)
الشرط الأول
وهو أن يكون ذلك في الصحراء، فإن كان ذلك منهم في القرى والأمصار، فقد توقف أحمد -رحمه الله- فيهم، وظاهر كلام الخرقي أنهم غير محاربين.
وقال أبو حنيفة، الثوري، وإسحاق، لأن الواجب يسمى حد قطاع الطريق، وقطع الطريق إنما هو في الصحراء، ولأن من في المصر يلحق به الغوث غالبًا، فتذهب شوكة المعتدين، ويكونون مختلسين، والمختلس ليس بقاطع ولا حد عليه.
وقال كثير من أصحابنا: هو قاطع حيث كان. وبه قال الأوزاعي، الليث، الشافعي، أبو يوسف، وأبو ثور، لتناول الآية بعمومها كل محارب، ولأن ذلك إذا وجد في المصر كان أعظم خوفاً، وأكثر ضرراً، فكان بذلك أولى.
وذكر القاضي أن هذا إن كان في المصر، مثل أن كبسوا داراً، فكان أهل الدار بحيث لو صاحوا أدركهم الغوث، فليس هؤلاء بقطاع طريق، لأنهم في موضع يلحقهم الغوث عادة.
وإن حصروا قرية أو بلداً ففتحوه وغلبوا على أهله، أو محلة منفردة، بحيث لا يدركهم الغوث عادة، فهم محاربون، لأنهم لا يلحقهم الغوث، فأشبه قطاع الطريق في الصحراء.
الشرط الثاني
وهو أن يكون معهم سلاح، فإن لم يكن معهم سلاح فهم غير محاربين، لأنهم لا يمنعون من يقصدهم، ولا نعلم في هذا خلافاً.
فإن عرضوا بالعصى والحجارة فهم محاربون، وبه قال الشافعي وأبو ثور، وقال أبو حنيفة: ليسوا محاربين لأنه لا سلاح معهم، ولنا أن ذلك من جملة السلاح الذي يأتي على النفس والطرف، فأشبه الحديد.
الشرط الثالث
وهو أن يأتوا مجاهرة، ويأخذوا المال قهرًا، فأما إن أخذوه مختفين، فهم سراق، وإن اختطفوه وهربوا فهم منتهبون، لا قطع عليهم.
كذلك إن خرج الواحد والاثنان على آخر قافلة، فاستلبوا منها شيئًا، فليسوا بمحاربين، لأنهم لا يرجعون إلى منعة وقوة. وإن خرجوا على عدد يسير فقهروهم، فهم قطاع طريق.
وهذا يعني أن شروط الحرابة ثلاثة، وهي أن تحدث في الصحراء لا في المدن أو القرى، وأن يكون المحارب حاملًا لسلاح سواء كان عصا أو حجر وغيره من الأسلحة، والشرط الأخير هو أخذ المال عنوة وغصبًا وليس متخفيًا بالسر وإلا فإنه يعد من الاختلاس والسرقة، ومن تثبت عليه هذه الشروط الثلاثة يحول إلى ولي الأمر حتى يقيم الحد عليه.
فتاوى متعلقة بحد الحِرابة في الاسلام
بعد الإجابة على سؤال المقال “ما هو حد الحرابة في الإسلام“، فيجب التنبيه إلى وجود بعض الفتاوى المتعلقة بحد الحرابة في الإسلام، حيث يمكن أن يختلط الأمر على البعض، وفيما يلي بعض هذه الفتاوى والأحكام.
على الرغم من أن الربا يوصف بأنه حرب من الله ورسوله، ولكنه لا يندرج تحت مفهوم الحِرابة التي يجب أن يتم إقامة حد الحرابة عليها.(١)
قال الله تعالى في سورة القصص في الآية ٧٧ (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) والفساد يشمل الحِرابة، الزنا وغيرها من الأعمال الفاسدة.
وقال ابن كثير في وصف الفساد (ينهى تعالى عن الإفساد في الأرض، وما أضره بعد الإصلاح، فإنه إذا كانت الأمور ماشية على السداد، ثم وقع الإفساد بعد ذلك، كان أضر ما يكون على العباد، فنهى الله تعالى عن ذلك).
ولكن لا يقام حد الحِرابة إلى حين تستوفى شروط إقامة حد الحِرابة الثلاثة.(٤)
قال الله تعالى في سورة المائدة في الآيتين ٣٣ و٣٤ (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
واستنادًا إلى الآيات الكريمة فمن تثبت توبته من الحِرابة قبل القبض عليه فإنه يعفى من الحد وتقبل توبته، والله أعلم.(١)
كما أن الفساد المالي والذي يشمل الاختلاس، السرقة، الرشوة وغيرها من الأعمال الفاسدة لا يندرج تحت حكم حد الحِرابة.(٥)
اقرأ أيضًا: حكم الربا في الإسلام وأنواعه
المراجع:
١- ابن باز – حد الحرابة.
٢- موضوع – ما هو حد الحرابة في الإسلام.
٣- إسلام ويب – شروط إيقاع حد الحرابة على قطاع الطرق وأمثالهم.
٤- إسلام ويب – الفرق بين الحرابة والزنا والسرقة وغيرهما من أعمال الفساد.
٥- إسلام ويب – الفساد المالي ومدى اعتباره من الحرابة.