متلازمة ستوكهولم.. تعاطف الضحية مع الجلاد
هل شعرتَ يوماً ما بمشاعرٍ عاطفية تجاهَ شخص أساءَ إليك أو حاولَ أذيتك أو اختطافك من قبل؟ هل تعاطفتَ معَ إنسانٍ سارق أو جلاد أو مُختطِف من قبل؟ إذا كانَ الجواب نعم فأنتَ مُصاباً بمتلازمة ستوكهولم، لأنَ الإنسان الطبيعي عندما يتعرّض للأسى والظلم وسلب حريته وكرامته والاعتداء عليه تلقائياً يشعر بالغضب والكره تجاهَ الطرف المؤذي لهُ ويُحاول الانتقام أو الهروب منهُ أو الإبلاغ عنه، ولكن هل تعلم أنهُ يوجد أشخاص في عالمنا يتعاطفون معَ جلّاديهم؟ ويُدافعون عنهم بالرغم من إساءتهم لهم؟
نوّد الإشارة، أنَ متلازمة ستوكهولم غريبة بعض الشيء، فلم يتم اكتشافها إلّا في عام 1973 تحديداً في دولة السويد في ستوكهولم، فقد أقدمَ عدّة شبان على سرقة بنك واحتجاز 4 موظفين بهِ لمدة تصل إلى أسبوع، وبالرغم من أنَ المحتجزين تعرّضوا للهجوم والخوف والبكاء والضغط النفسي عليهم إلّا أنهم أثناءَ تحريرهم تعاطفوا معَ السارقين وحاولوا الدفاع عنهم واللجوء للحكومة من أجل تحريرهم، إنهُ أمر غريب أليسَ كذلك؟
ولكن ردّة فعل هؤلاء الموظفين وضعت رجال الشرطة والمحققين في حيرة من أمرهم، وتساءلوا لماذا يرفضون محاكمتهم وعقابهم على فعلتهم القاسية، وتمَ التوّصل فيما بعد إلى أنَ هذه المتلازمة ماهيَ إلّا حالة مرضية تُصيب الإنسان وتجعلهُ يتعاطف معَ الخاطف أو السارق، ولذلك ما المقصود بمتلازمة ستوكهولم؟ وما هيَ أعراضها؟ أسبابها؟ وطرق علاجها؟
ما المقصود بمتلازمة ستوكهولم Stockholm Syndrome؟
يُقصد بهذه المتلازمة أنها حالة نفسية يُصاب بها الإنسان بعدَ تعرّضه للاعتداء أو الخطف من شخصٍ يتعرّف عليه أثناءَ وقوع المشكلة، فتوجد عدّة حوادث أدّت إلى وقوع الرهائن في حب مختطفيهم وعدم الهروب منهم بالرغم من توّفر الفرصة أمامهم.
ومنَ الجدير بالذكر، أنَ الفرد عندما يتم اختطافه يشعر بنوعٍ منَ القلق والخوف على حياته ويبدأ بالتوّسل إلى خاطفه من أجل النجاة، وعندما يُحافظ الخاطف على حياة المخطوف ولا يُنهي حياته بالقتل ولكنهُ يكتفي بتعذيبه جسدياً أو نفسياً، يتوّلد شعور لدى المخطوف بالتعاطف والانجذاب للجلاد والتفكير بهِ إذا تمَ تحريره من قبل أفراد الشرطة.
كما أنَ هذه المتلازمة أصابت فتاة تُدعى باتريشيا هيرست وهيَ امرأة جميلة تنتمي لعائلة ثرية تمَ اختطافها من قِبَل عصابة واحتجازها وتهديد أسرتها بقتلها إن لم يتم دفع الفدية، والغريب أنها تعاطفت معَ العصابة وأبدت رأيها الإيجابي نحوهم وساعدت في حمايتهم.
ما هيَ أعراض الإصابة بمتلازمة ستوكهولم Stockholm Syndrome؟
توجد علامات مميزة تظهر على المُصاب بهذه المتلازمة، من أبرزها:
- الشعور بغضب أو نفور من أي شخص يُحاول مساعدة الضحية والقبض على الجلاد أو احتجازه أو محاكمته.
- تمني البقاء مدة أطول بجانب المختطِف من أجل التعرّف عليه أكثر.
- رفض الابتعاد عن الجلاد أو الهروب منه إذا تواجدت فرصة للنجاة.
- التفكير الدائم بالمختطِف بعدَ تحرير الضحية والشعور بتعاطفٍ معه.
- الشعور بالامتنان ومحاولة تقديم يد العون للمختطِف معَ تأييد آرائه والوقوف بجانبه.
ما هيَ أبرز أسباب الإصابة بمتلازمة ستوكهولم Stockholm Syndrome؟
لا يوجد سبب واضح أو مباشر للإصابة بهذه المتلازمة، ولكن تمَ كشف النقاب عن عدّة عوامل تُؤدي لحدوثها وشعور الضحية بها، مثل:
- لطف الجلاد معَ المختطفين: منَ المُمكن أنَ المُختطِف في البداية قد أساءَ معاملة الرهائن لديه، ولأنَ هؤلاء الرهائن شعروا بخوفٍ شديد من إنهاء حياتهم ببساطة على يده، إلّا أنهُ أظهرَ عكس ذلك وقدّمَ لهم الطعام والشراب دون أذيتهم، فيشعرون بالتعاطف والامتنان لمعاملته معهم.
- شعور الضحية بالوحدة: في بعض الحالات يشعر الضحية بأنَ أفراد عائلته أو الشرطة لن تتمكّن من مساعدته وأنها تأخرت في الوصول إليه فلم يعد واثقاً بها، وبالتالي يتعاطف معَ الخاطف لشعوره بأنهُ وحيد ولا يُساعده أي قريبٍ منه.
- التخلص منَ الظروف السيئة: منذُ زمنٍ بعيد كانت تُختطف النساء من قِبَل أشخاصٍ غرباء ويتم الزواج بهن والتعاطف معَ الخاطف كونها تخلصت من وضعها الذي كانَ يُؤثر عليها سلباً، وبالفعل قد تنجذب إلى الخاطف وتُنجب منهُ أطفال وتُؤسس عائلة.
ما هيَ طرق علاج متلازمة ستوكهولم Stockholm Syndrome؟
إنَ هذه المتلازمة تتطلّب فهم عميق من قِبَل والدين أو أقرباء المُصاب بها، ويُمكن مساعدته في التخلص منها عن طريق البحث عن معالجٍ مختص والبدء بالعلاج الآتي:
- جلسات مكثفة معَ المختص: في هذه الطريقة سيُحاول الخبير أن يدخل إلى عقل المُصاب من خلال إجراء جلساتٍ حوارية معه ومعرفة آرائه عن المعتدي ولماذا يتعاطف معه، ومن ثمَ يُحاول تعديل أفكاره وسلوكياته منَ التعاطف إلى النفور وتوضيح خطورته عليه.
- تدوين التجارب السيئة: يجب على الطبيب أن يُغيّر أفكار المُصاب تجاهَ الجلاد من خلال تذكر مشاعر الخوف والقلق ولحظات البكاء التي تسبّبَ بها الخاطف لهُ، ومن ثمَ تذكرها في كل مرة يُحاول أن يتعاطف معه أو يُساعده.
- زيادة ثقة المُصاب بنفسه: لن يشعر المتعاطف معَ الجلاد بأي مشاعرٍ تجاهك إذا حاولتَ إلقاء النصائح عليه بطريقةٍ ساخرة أو غير مفهومة، لأنَ قناعاته لن تتغير بسهولة، ولذلك عليكَ فهم هذه المتلازمة والاستماع للمُصاب والإنصات إليه ومحاولة رفع ثقته بنفسه ومواجهة هذه المشكلة من خلال إلقاء القصص عليه التي تُعبّر عن خطورة المعتدين وأهمية عقابهم لردعهم.
هل توجد أفلام تتحدث عن متلازمة ستوكهولم؟
بالطبع إنَ المخرجين والكتّاب لم يتجاهلوا هذه المتلازمة وخاصةً أنها مليئة بالإثارة، وبالفعل تمَ عرض عدّة أفلام تتحدث عن هذه الظاهرة أبرزها:
- فيلم Labor Day: إنهُ فيلم رومانسي يتحدث عن متلازمة ستوكهولم عندما يتم اختطاف امرأة وطفلها ومن ثمَ تبدأ قصة الحب بينها وبينَ الخاطف.
- فيلم Slepper: أيضاً من أفضل الأفلام التي تتحدث عن الخطف والحب في الوقت ذاته، كما أنهُ من بطولة ديان كيتون وودي آلن.
- فيلم Twelve Monkeys: عبارة عن فيلم يتحدث عن رحلة عبرَ الزمن من بطولة مادلين ستو وبروس ويليس بعدَ أن قامَ بخطفها والبدء بقصة حب معها.
- فيلم Out Of Sight: تتم عملية اختطاف من قِبَل بطل الفيلم للبطلة ومن ثمَ الوقوع في حبها والهروب معها، وهو أمن بطولة جينيفر لوبيز وجورج كلوني.
يا لها من متلازمة غريبة، والأغرب من ذلك أنَ الأشخاص المعرّضين للإصابة بها هم أسرى الحروب والعلاقات الزوجية المليئة بالعنف والأطفال الذينَ لا يحصلون على حنانٍ من والديهم، وتمَ نشر عدّة كتب عن هذه المتلازمة مثل {رواية دكتور ستوكهولم} التي تتحدث في عمق تفاصيلها عن الحب والتعاطف تجاهَ المذنب.
{{نأمل أن يعجبكم المقال أيها الرائعون}}.