النفس المطمئنة

[faharasbio]

النفس المطمئنة وهي أعلى مراتب الكمال والأيمان فى النفس البشرية، والتي تتحقق في النفس حين تعلوا النفس على ذاتها وتسمو إلى عالم الروح فوق شهواتها، فتخرج من عالم النفس الأمارة بالسوء إلى عالم النفس اللوامة .. ومن ثم ترتقى في عبادة الله وطاعته والأمتثال لأوامره ونواهيه حتى تنال رضوانه، فتشرف وتنال النفس المطمئنة.

قال تعالى (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)، سورة الفجر – الآية 30 .. إن فعل الأمر (ارجعي) ملازم لهذه النفس .. أي أيتها النفس! .. أنت كنت عندي سابقًا، وكنت قطعة من عالم الأنوار وعوالم القرب إلى الله، التي أنعم الله عليها وأنزلها إلى الأرض، والآن قد حان الوقت لأن ترجعي إلى ما كنت عليه .. فيجب علينا أن نعيش هذا الهاجس تجاه أنفسنا، أي أننا من الله عز وجل، وأننا راجعون إليه.. فلماذا إذن نلوث أنفسنا في هذه الأيام القصيرة؟.. {إنا لله وإنا إليه راجعون}.. فلماذا لا نحسب حساب الرجوع إلى الله عز وجل، ونكون بالمستوى الذي يريده المولى منا؟ ..

ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً.. حيث أن أصل الوجود هو بهاتين الكلمتين: أن نكون راضين عن الله عز وجل، وهي علاقة العبد مع ربه.. وأن يكون الله عز وجل راضيًا عنا، وهي علاقة الله مع العبد.. وهذا هو الهدف من الخلق لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، سورة الذاريات – الآية 56.. وهذه العبادة لها ثمرتان:

  • ثمرة خلقية: وهي أن يكون العبد راضياً عن الله عز وجل.
  • ثمرة خالقية: وهي أن يكون الله عز وجل راضياً على عبده.

لا بدّ لنا أن نعلم أن رضوان الله تعالى، ليس أمرًا جزافيًا بعيد المنال .. إنما الإنسان هو الذي بيده أن يرسم هذا الرضوان .. فأنت رضيت عن ربك وعبدته حق عبادته، فرضي الله عنك .. فإذن الرضوان الإلهي منشأه رضا العبد عن ربه، لأن هذا الرضا عن الله تعالى، يتبعك للعمل، وعملك يوجب أن يحقق رضوان الله عز وجل في حق نفسك.

فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي .. يتبين من هذه الآية أن جزاء هذه النفوس المطمئنة أمران:

  • أولاً: الدخول في عباد الله، وهو عالم الأنس بالأرواح الطيبة، في جنة الخلد مع محمد وآل محمد صلوت الله عليهم أجمعين.
  • وثانياً: الدخول في جنة الله عز وجل، والتنعم بنعيمها.

ويتبين لنا من الجزاء الأول أن المؤمن لا يأنس إلا بالله، أو بمؤمن مثله .. فهو يأنس بالله عز وجل، لأنه مصدر النعيم المعنوي الذي لا حد له.. وأما إذا كان لا يمكنه الأنس بالله تعالى، وذلك لوجود حجاب من الحجب المعينة، فأنه لا ضير من الشكوى والأنس بالمؤمنين، لأنه (من شكا الى مؤمن، فكأنما شكا إلى الله عز وجل) .. وذلك لأن المؤمنين هم ممثلو الله عز وجل في الأرض .. و(أما من شكا إلى غير مؤمن، فكأنما شكا الله عز وجل).

إن الغرض من المدار في الاطمئنان، والمدار في الأنس، والمدار في النعيم، هو تهذيب الروح، لإخراجها من عالم الأمارية إلى عالم اللوامية، وبعد ذلك السعي إلى التشبه بتلك النفوس المطمئنة، التي بلغت أعلى درجات الاطمئنان.

النفس المطمئنة والطمأنينة

النفس المطمئنَّة: هي إحدى درجات النَّفس الإنسانيَّة، التي ترتقي بأعمالِها من حال النَّفس الأمَّارة بالسوء، حتَّى تصل إلى مرتبة الاطمِئْنان. والطمأنينة: هي سكون القلب إلى الشيء، وعدم اضطِرابه وقلقه؛ قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((البرُّ: ما اطمأنَّ إليْه القلب))؛ أي: سكن إليْه، وزال عنه اضطِرابه وقلقه.

وجعل الله سبحانه الطمأنينة في قلوب المؤمنين ونفوسهم، وجعل الغِبْطة والبشارة بدُخُول الجنَّة لأهل الطمأنينة، فطوبى لهم وحسن مآب. والطمأنينة: سكونٌ يُثْمر السَّكينة والأمن.

والفرق بين الطُّمأنينة والسكينة: أنَّ الطمأنينة أعمُّ وأشمل، وتكون في العلم واليقين؛ ولهذا اطمأنَّت القلوب بالقرآن، أمَّا السكنية، فإنَّها ثبات القلْب عند هجوم المخاوف عليْه، وسكونه وزوال قلقِه واضطرابه. والنفس المطمئنة: هي النفس التي سكنت واستقرَّت في مقام الاطمئنان والسَّكينة والأمن.

وتَمتاز النَّفس المطمئنة بالسَّكينة، والتَّواضع، والإيثار، والرِّضا، والصبر على الابتِلاء، والتوكل، وتَسير بمقتضى الإيمان إلى التوحيد والإحسان، والبر والتقوى، والصبر والتوبة، والإقبال على الله.

والنَّفس المطمئنَّة: هي النفس التي تجد أمْنَها وسكينَتَها مع ذكر الله؛ {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ} سورة الرعد – الآية 28؛ أي: تطيب وتركَن إلى جانب الله، وتسكُن عند ذِكْره، وترضى به مولًى ونصيرًا. ثم يؤكِّد الله سبحانه أنَّ اطمِئْنان القلوب لا يتمُّ إلا بذِكْره؛ ورُوي: أنَّ رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال لرجُل: ((قل: اللهُمَّ إني أسألُك نفسًا بك مطمئنَّة، تؤمن بلقائِك، وترضى بقضائِك، وتقنع بعطائك))؛ والنَّفس المطمئنَّة: نفس متوازنة، متفاعلة، متكامِلة الجوانب، لا يغلب عليها الحسُّ، فتتصرَّف وفقًا لغرائزِها، ولا يطغى عليْها العقْل، فتتصرَّف وفْقًا لمقولات مجرَّدة منطقيَّة؛ إنَّما هي تتصرَّف وفْقًا لإرادةٍ حرَّة من خلال أشْكال جماليَّة: عمل فني، عمل أخلاقي، عمل علمي.

أقرأ أيضًا: معلومات عن شيخ الإسلام ابن تيمية

[ppc_referral_link]