من هو سيبويه.. إمام النحاة

[faharasbio]

من هو سيبويه.. إمام النحاة

سيبويه هو عالم النحو المشهور في اللغة العربية، وأول من ألف قواعدها، سنتعرف بالتفصيل عليه في الفقرات التالية:

من هو سيبويه

سيبويه هو عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي، ولد عام 148 هـ – 765 م، في قرية البيضاء في بلاد فارس في إيران، ويكنى بأبي بِشر، وهو من أسرة فارسية، لم تكن اللغة العربية لغته الأصلية، ولكنه تعلمها في وقت لاحق من حياته، ومعنى اسمه رائحة التفاح نظرًا لأنه كان شابًا جميلًا، لون خدوده بلون التفاح.

بدأ سيبويه بدراسة الفقه والحديث على يد شيخه حماد بن سلمة البصري، تأثر به كثيرًا، وهذا ما بدى واضحًا في كتابه الشهير الذي ألفه، كما لجأ إلى الكثير من العلماء ليتوسع في علمه، كالعالم يونس بن حبيب وعيسى بن عمرو وغيرهم، الأمر الذي أدى إلى تنوع ثقافته، وتوسع معرفته في علم النحو والصرف.

اتجه سيبويه إلى بغداد، والتقى في البصرة بشيخ الكوفيين الكسائي الذي تغلب على سيبويه بمناظرة جرت بينهما في النحو، فعاد سيبويه إلى بغداد ساخطًا.

لم يعش سيبويه طويلًا، فقد مات قبل سن الأربعين، ومن المؤرخين من قال أنه توفي عندما بلغ 32سنة، لذلك لم يكن له الكثير من التلامذة، ومن أبرز التلامذة الذين تعلموا منه أبو الحسن الأخفش وقُطرب.

توفي سيبويه في قرية البيضاء بشيراز عام 180 هـ، وذلك بسبب مرض أصابه في معدته.

ألف سيبويه كتابه الشهير والذي كان يحمل اسمه، وهو عبارة عن خمسة مجلدات للغة العربية، ويضم الكتاب القواعد النحوية التحليلية الأولى للغة العربية، وكان أول نص نثري عربي، وكان كتابًا فريدًا شاملًا لقواعد اللغة العربية، والتصنيفات النحوية المرفقة مع الأمثلة الكثيرة المأخوذة من الشعر العربي، كما اشتمل على الشعر ومعاني الكلمات وتعريبها، واحتوى أيضًا على عدة أبواب، وتطرق إلى موضوع الأخلاق، وبأن الكلام محكومًا بالخطأ والصواب كما هو الحال في وصف الأشكال النحوية الصحيحة وغير الصحيحة.

حظي كتاب سيبويه بتقدير اللغويين، فوصفوه بأقدم مصدر مفصل لقواعد اللغة العربية.

لم يذكر التاريخ أن لسيبويه زوجة أو أولاد، فقد كان منصرفًا للعلم والتعليم، وكان له أخ واحد، تحدثت الروايات عن قربه منه في مرضه، فعندما اشتد المرض عليه وضع رأسه في حضن أخيه، فسالت على وجهه دموع أخيه عليه، فنظر إليه قائلًا:

أُخيَّينِ كنَّا، فرَّقَ الدهرُ بينَنا                               إلى الأَمدِ الأَقْصى، وَمَن يَأْمَن الدَّهْرا

وكانت أحد الروايات التي نقلها صاعد البغدادي تقول أنه كان لسيبويه زوجة في البصرة، أحبته كثيرًا، ولكنه كان منصرفًا عنها بعلمه، فاستغلت غيابه وجمعت كتبه وأحرقتها، وعندما عاد ورأى ما حدث لكتبه حزن حزنًا شديدًا وطلقها.

كان سيبويه طالبًا للعلم، فعندما هاجر مع أهله إلى البصرة، وقام بمصاحبة أهل الحديث والفقه، وتعلم الحديث من حماد بن سلمة.

آراء بعض العلماء في سيبويه وفي كتابه

 يونس بن حبيب:

بعد وفاة سيبويه قيل ليونس إنّ سيبويه ألف كتاباً من ألف ورقة في علم الخليل، فقال يونس ومتى سمع سيبويه من الخليل هذا كله؟ جيئوني بكتابه، فلما نظر في كتابه ورأى ما حكى قال: (يجب أن يكون هذا الرجل قد صدق عن الخليل فيما حكاه كما صدق فيما حكى عني)، وقال العباس بن فرج: سمعت عمرو بن المرزوق يقول؛ رأيت سيبويه والأصمعي يتناظران، قال: يقول يونس الحق مع سيبويه، وقد غلب ذا يعني الأصمعي بلسانه.

أبو عبيدة معمر بن المثنى:

قال المازني: كنّا عند أبي عبيدة يوماً وعنده الرياشي يسأله عن أبيات في كتاب سيبويه وهو يجيبه، ثمّ فطن فقال أتسألني عن أبياتٍ في كتاب الخوزي؟ فهذا قولٌ طاعن لا أجيبك.

أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش:

هو تلميذ سيبويه وكان أسن منه قال: كان سيبويه إذا وضع شيئاً من كتابه عرضه علي، وهو يرى أني أعلم به منه وكان أعلم به مني، وأنا اليوم أعلم منه.

أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري:

قال: كان سيبويه يأتي مجلسي وله ذؤابتان، قال: (فإذا سمعته يقول حدثني من أثق بعربيته فإنما يريدني)، فهذا قول مفتخرٍ بتلميذه.

محمد بن سلام:

كان يقول: كان سيبويه النحوي غاية في الخلق، وكتابه في النحو هو الإمام، وقد لقي محمد بن سلام سيبويه فسأله في قوله تعالى: (يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا) قلت: لسيبويه كيف الوجه عندك؟ قال: الرفع.

أبو عثمان بكر بن محمد المازني:

قال: من أراد أن يعمل كتابًا في النحو بعد سيبويه فليستحي، وقال أيضاً: قرأ علي رجل كتاب سيبويه في مدةٍ طويلة، فلما بلغ آخره قال لي أما أنت فجزاك الله خيراً أما أنا فما فهمت حرفاً.

أبو العباس المبرد:

إذا أراد أحدهم أن يقرأ عليه كتاب سيبويه، يقول: له هل ركبت البحر يومًا؟ تعظيماً لكتاب سيبويه، واستصعاباً لما فيه.

أبو جعفر النحاس:

قال: لم يزل أهل العروبة يفضلون كتاب أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر المعروف بسيبيويه، حتى لقد قال محمد بن يزيد، لم يعمل كتاب في علم من العلوم مثل كتاب سيبويه؛ وذلك لأنّ الكتب المصنّعة في العلوم مضطرة إلى غيرها، وكتاب سيبويه لا يحتاج من فهمه إلى غيره.

أبو الطيب عبد الواحد بن علي اللغوي:

هو صاحب مراتب النحويين، قال عن سيبويه: هو أعلم الناس بالنحو بعد الخليل، وألّف كتابه الذي سماه الناس قرآن النحو، وعقد أبوابه بلفظه ولفظ الخليل.

أبو سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي:

قال في كتابه أخبار النحويين البصريين: وعمل كتابه الذي لم يسبقه إلى مثله أحد قبله، ولم يلحق به بعده، وردد هذا القول ابن النديم.

ابن الأنباري، أبو البركات عبد الرحمن بن محمد:

قال عن سيبويه وكتابه: وبرع في النحو وصنّف كتابه الذي لم يسبقه أحد إلى مثله ولا لحقه أحد من بعده.

المستشرقون:

عرف المستشرقون قيمة سيبويه جيدًا، فكتب عنه المستشرق كليمان هوارت “Clément Huart” في كتابه الأدب العربي، وعن تلاميذه وأساتذته، أما المستشرق سيلفستر دي ساسي “Silvestre De Sacy”، فقد ترجم بعض فصول كتابه إلى الفرنسية، وطبع المستشرق ديرنابورج سيبويه في مجلدين كبيرين في 1000 صفحة، ثمّ ترجم إلى الألمانية.

آخر أبيات قالها سيبويه إمام اللغة قبل وفاته:

يؤمل دنــيــا ليـسـعـى لها                             فــوافى المنـيـة دون الأمـل
حثيثا يروي أصول الفسيل                            فعاش الفسيل ومات الرجل

ما أحوج معظم الناس لشعر كهذا.

رأي العلماء فيه

قال عنه ابن عائشة: “كنا نجلس مع سيبويه النحوي في المسجد، وكان شابًا جميلاً نظيفًا، قد تعلق من كل علم بسببٍ، وضرب في كل أدب بسهمٍ، مع حداثة سنِّه وبراعته في النحو”.

قال معاوية بن بكر العليمي: “عمرو بن عثمان قد رأيته وكان حدث السن، كنت أسمع في ذلك العصر أنه أثبتُ مَن حمل عن الخليل، وقد سمعته يتكلم ويناظر في النحو، وكانت في لسانه حُبْسة، ونظرتُ في كتابه فرأيت علمه أبلغَ من لسانه”.

قال الأزهري: “كان سيبويه علامة حسن التصنيف جالس الخليل وأخذ عنه، وما علمت أحدا سمع منه كتابه لأنه احتضر شابا، ونظرت في كتابه فرأيت فيه علما جما”.

قال الذهبي: “إمام النحو، حجة العرب، الفارسي، ثم البصري. قد طلب الفقه والحديث مدة، ثم أقبل على العربية، فبرع وساد أهل العصر، وألف فيها كتابه الكبير الذي لا يدرك شأوه فيه. قيل فيه مع فرط ذكائه حبسة في عبارته، وانطلاق في قلمه”.

قال المبرد: “لم يُعمل كتاب في علم من العلوم مثل كتاب سيبويه؛ وذلك أن الكتب المصنَّفة في العلوم مضطرة إلى غيرها، وكتاب سيبويه لا يحتاج مَنْ فَهِمَه إلى غيره”.

قال محمد بن سلام: “كان سيبويه النحوي غاية الخلق في النحو وكتابه هو الإمام فيه”.

قال ابن النطاح: “كنت عند الخليل بن أحمد فأقبل سيبويه فقال: مرحبا بزائر لا يمل، فقال أبو عمر المخزومي وكان كثير المجالسة للخليل : ما سمعت الخليل يقولها لأحد إلا لسيبويه”.

قال ابن كثير: “وقد صنف في النحو كتابا لا يلحق شأوه وشرحه أئمة النحاة بعده فانغمروا في لجج بحره، واستخرجوا من درره، ولم يبلغوا إلى قعره”.

قال أبو إسحاق الزجاج: “إذا تأملت الأمثلة من كتاب سيبويه تبينت أنه أعلم الناس باللغة”.

قال الجاحظ في كتاب سيبويه: “لم يكتب الناس في النحو كتابا مثله وجميع كتب الناس عليه عيال”.

قال صاعد الأندلسي: “لا أعرف كتابًا أُلِّف في علم من العلوم قديمها وحديثها فاشتمل على جميع ذلك العلم، وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب، أحدها: المجسطي لبطليموس في علم هيئة الأفلاك، والثاني: كتاب أرسطوطاليس في علم المنطق، والثالث: كتاب سيبويه البصري النحوي؛ فإن كل واحد من هذه لم يشذّ عنه من أصول فنِّه شيء إلا ما لا خطر له”

وقد رثاه خلق كثير من أهل الدين والأدب، ورثاه الزمخشري بقوله:

ألا صلى الإله صلاة صدق                على عمرو بن عثمان بن قنبر

فإن كتابه لم يغن عنه             بنو قلم ولا أبناء منبر

قال الأصمعي: قرأت على قبر سيبويه بشيراز هذه الأبيات، وهي لسليمان بن يزيد العدوي:

ذهب الأحبة بعد طول تـزاورٍ             ونأى المزار فأسلمـوك وأقشعـوا

تركوك أوحش ما تكونُ بقفـرة             لم يؤنسوك وكـربة لم يدفعـوا

قَضَى القضاءُ وصرتَ صاحبَ حفرةٍ              عنك الأحبة أعرضوا وتصدَّعوا

إقرأ أيضًا: من هو أبو الريحان البيروني

[ppc_referral_link]