من هو صلاح الدين الأيوبيّ؟
صلاح الدين الأيوبي هو لقب وليس اسمًا له، واسمه الحقيقي هو يوسف بن أيّوب بن شادي بن مروان بن يعقوب الدُّويني، ويُكنّى بأبي المظفّر، ويُلقّب بالملك الناصر، وهو يُعدّ المؤسس للدولة الأيوبيّة، وابن لأسرة كرديّة غنيّة.
مولد ونشأة صلاح الدين الأيوبي
وُلد صلاح الدين الأيوبي في تكريت من عائلة كرديةٍ غنيّة كريمة الأصل وعظيمة الشرف، وكان أبوه حاكمًا لقلعة تكريت، وتصادفت ولادة صلاح الدين مع إجبار والده يوسف بن نجم الدين على الخروج من تكريت فأخذه والده مصدرًا للشؤم؛ حتى أن أحدًا من الحضور في مجلسه قال له: (ما يُدريك أن يكون لهذا المولود ملكٌ عظيم له صيت؟!)، فهاجر والد صلاح الدين الأيوبي من تكريت، ونزل في الموصل عند عماد الدين زنكي.
نشأ صلاح الدين الأيوبي عند عماد الدين زنكي، فتربّى عنده، وتدرَّب على السِّلاح، وتعلَّم ركوب الخيل، كما تعلَّم العديد من اللغة العربيّة وقراءة القرآن الكريم، وحِفْظ الحديث النبويّ الشريف، كما تلقّى صلاح الدين الأيوبي عِلْمه أيضًا من الفقيه علي بن بنت أبي سعد، وأبي طاهر السلفيّ، وسَمِعَ من الطاهر بن عوف أيضًا.
صفات صلاح الدين الأيوبي
اتّصف صلاح الدين بالأخلاق الحميدة والصفات المميّزة التي جعلت منه شخصيّةً محبوبةً ومهابة، ومن هذه الصفات:-
- حُسن العقيدة ونقاء السريرة: كان صلاح الدين الأيوبي كثير الذكر لله تعالى، وشديد المواظبة على الصلاة في أوقاتها وفي جماعة، كما أنه كان مواظبًا على السنن والرواتب وقيام الليل، وكان ملتزمًا بإخراج الزكاة وصوم شهر رمضان وصوم أيامٍ زائدة لتعويض ما قد يصيب صيامه من نقص، حتى في أيام مرضه كان مواظبًا على الصوم.
- كان يحب سماع القرآن الكريم والأحاديث النبوية بشغف: كان يشترط في إمامه أن يكون عالمًا بالقرآن الكريم ومتقنًا لحفظه، وكان كثير التعظيم لشعائر الدين، وحسن الظن بالله متوكلًا عليه.
- الشجاعة: الشجاعة صفة ضرورية يجب أن تتواجد في كل ملك قائد حتى يبث الرعب لدى الأعداء وتسكن هيبته القلوب، وكذلك كان صلاح الدين الأيوبي بل من أعظم الشجعان، شديد البأس لا يخاف في الحق لومة لائم.
- الجهاد: كان صلاح الدين الأيوبي عظيم الاهتمام بالجهاد والمواظبة عليه، وكان شغوفًا ومحبًا له؛ إذ لم يسيطر على عقله وحديثه إلا الجهاد والحث عليه، وترَك الدنيا وما فيها، وكان همّه هو الجهاد والفتوحات الإسلامية.
- الكرم: تعدّ صفة الكرم من أبرز الأخلاق الكريمة التي يتصف بها أشراف الناس، وقد كان صلاح الدين الأيوبي من أكرم الناس، حتى إنّه عند وفاته لم يجدوا في خزانته إلّا سبعة وأربعين درهمًا ناصرية من الفضة، ومن الذهب إلا جرام واحد صوري.
- العدل: من أبرز صفاته -رحمه الله- إقامته للعدل، وكان يؤمن بأنّ العدل أحد نواميس الله في كونه، وأنه ثمرة من ثمرات الإيمان.
هزيمة صلاح الدين الأيوبي للصليبيّين وفتح بيت المقدس
فَتَح صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس في معركة حطّين، في 4 تموز/يوليو عام 1187م، أي ما يوافق 14 ربيع الآخر سنة 583هـ، في شمال فلسطين، حيث هزمَت جيوش صلاح الدين الأيوبي ملك القدس، وكانت واقعة حطّين من الأيّام التي سَطَّر فيها المسلمون مجدَهم، حيث كان عدد الصليبيّين نحو 63 ألف جنديّ، قُتِل منهم 30 ألفًا، وأُسِر منهم 30 ألفًا، كما فرَّ منهم نحو 3 آلاف من الجرحى، وحصلَ المسلمون على العديد من الغنائم.
ألقى صلاح الدين الأيوبي القبض على حاكم الكرك أرناط، إذ كانت له أعمال مشينة ضدّ الإسلام والمسلمين؛ فقد قَتَل عددًا من الحُجّاج المسلمين، واستهزأ بالرسول محمد عليه الصلاة والسلام، وعندما قَبض صلاح الدين الأيوبي عليه، أحضرَه أمام الناس، وقال لهم إنّه آن الأوان كي ينتصرَ للرسول صلى الله عليه وسلم، وضَرَب عنقَه، إلّا أنّه قَبْل أن يضرب عنقَه دعاه إلى الإسلام، ولكنّه رَفَض، فقَتَله.
وبعد ذلك رَحل إلى عكّا، وقاتل الصليبيّين فيها، فانتصرَ عليهم، وأخذَها منهم، ثم انتشر جيشه في الساحل؛ للسيطرة على القلاع، والحصون المنيعة، ثمّ انتقلوا إلى صيدا وسيطروا عليها، ومن ثمّ سيطروا على بيروت.
وعندما وَصَل إلى عسقلان، والأماكن الأخرى حول القدس، اجتمعَ مع جيوشه، واتّجه معهم نحو القدس الشريف، ووَصَلوا إلى القدس سنة 583هـ في الخامس من رجب، ونَصَب المجانيق؛ وذلك استعدادًا للقتال، وعندما شَعرَ الصليبيّون بالخطر المحيط بهم، طلبوا الأمان، وفي 27 رجب سنة 583هـ، تسلَّم صلاح الدين مفاتيح بيت المقدس، ثم أكمل فَتْح بقيّة بلاد الشام إلى أن وقعت جميعها بين يديه، وانتهت حروب الصليبيّين بانتصار صلاح الدين الأيّوبي، وصُلْحه معهم.
أبرز إنجازات صلاح الدين الأيوبي
- انتصر على الصليبيين في معركةِ حطّينَ في عامِ ألفٍ ومئةٍ وسبعةٍ وثمانين.
- استطاع السيطرة على كافّةِ مُدنِ مملكةِ القدسِ، وهي: عكّا، ويافا وبيروت، وصيدا، وعسقلان، والناصرةِ، ونابلس.
- حصد صلاح الدين نجاحًا مفاجئًا؛ إذ قاد الصليبيين للفشل في الاستيلاء على صور، وهي قلعة ساحليّة مهمة، حيث ذهب إليها جميع الصليبيون الناجون من المعارك الأخيرة.
- أقام صلاح الدين الأيوبي في بيت المقدس في عمر السابعة والخمسين، والتفت لتنظيم الشؤون الإدارية لإقليم فلسطين، إضافة إلى أنّه أمضى معظم وقته إمّا في الصيد، أو في مناقشة العلماء في الأمور الدينية.
- الاهتمامُ بتثبيتِ فكرةِ الجهادِ، وأهمّيتِها عندَ المسلمين، وتأسيس المساجدِ، والمدارسِ؛ لتحقيق هذه الغاية.
- تمكّن من توحيد الكثير من الدول بما في ذلك الشام ومصر، وتزعّم الجهاد ضدّ الصليبيين وحقّق الكثير من الانتصارات الكبيرة.
- ألغى صلاح الدين سنة 1171م الخلافة الشيعيّة الفاطميّة الضعيفة، وأعلن العودة للإسلام السنيّ في مصر.
- شغل صلاح الدين الأيوبي منصب الوزير في مصر، وبهذا تمكّن من التغلّب على جميع الفتن الداخلية والخارجية في البلاد، إضافةً إلى أنّه أنشأ مدرستين كبيرتين؛ وهما المدرسة الكاملية والناصرية.
- استفاد صلاح الدين من ثروات مصر، والتي كانت الداعم المالي الأول له في غزو سوريا، ومن ثمّ استغل ثروات سوريا لغزو شمال بلاد ما بين النهرين، والتي استخدم ثرواتها لغزو الولايات الصليبية الواقعة على طول الساحل الشرقي.
- يعود الفضل لصلاح الدين في تأسيس دولة عظيمة وقوية تبسط سيطرتها على الشام، ومصر، واليمن، والحجاز، وأعالي العراق، وجزء من تركيا، وأجزاء من ليبيا، والنوبة.
وفاة صلاح الدين الأيوبي
تُوفيّ صلاح الدين في دمشق في التاسع عشر من شهر شباط عام 1192م، الموافق للسابع والعشرين من شهر صفر سنة 589هـ، وذلك بعد إصابته بحمّى صفراوية دامت لاثني عشر يومًا، ووفاته كانت بعد وقتٍ قصيرٍ من توقيع معاهدة السلام في الرملة في عام 1192م، مُخلّفاً وراءه دولةً واسعة الأرجاء، وبالرغم من موت هذا القائد إلّا أنَّه لا يزال حيًّا في أذهان الجميع؛ فأعماله الخالدة دائمة الذكر بين الناس.
المراجع