يمثل العهد الذهبي للجهاد البحري في المتوسط جزءًا من تاريخ العالم الإسلامي، والتاريخ البحري للمتوسط، ولا يزال يثير الجدل والتساؤلات حول مدى مشروعيته وقانونيته في العصور الحديثة. ما هو العهد الذهبي للجهاد البحري في المتوسط، صفحة 22 من صفحات من التاريخ.
العهد الذهبي للجهاد البحري في المتوسط
يعود العهد الذهبي للجهاد البحري في المتوسط إلى الفترة الوسطى من العصور الوسطى، وقام بهذا الجهاد الدول الإسلامية لحماية سواحلها، والدفاع عن الإسلام والمسلمين، وكذلك لمهاجمة سفن التجارة الأوروبية والمسيحية. من الأمثلة على الجهاد البحري في المتوسط، هي القرصنة التي قام بها الأخوين بارباروسا الذين نجحوا في السيطرة على مدينة تونس ومنطقة البحر المتوسط، وكانوا يبيعون الأسرى في السوق العبدية في الجزائر وتونس ومصر.
“اقرأ أيضًا: المجاهد يوسف المسلماني“
الأخوين بارباروسا
تصدح هوليوود بالعديد من الأفلام الضخمة، التي تناولت شخصياتٍ أسطوريةً مشهورة، وعلى عكس ما يعتقد الناس فأغلب الشخصيات الأسطورية في الأفلام السينمائية تعود في الأساس إلى شخصيات حقيقية، تركت تأثيرًا كبيرًا في التاريخ الإنساني، وتُعدُّ سلسلة أفلام “قراصنة الكاريبي” من أشهر الأفلام التي قامت بإعادة الحديث عن العهد الذهبي للجهاد البحري في المتوسط تحت قيادة الأمير الجزائري خير الدين بارباروسا والأمير جاك سبارو، ويذكر المؤرخون المغاربة أن حركة القرصنة المغاربية جاءت كحركة شعبية تحرُّرية، مضادة لحركة الاستعمار الأوروبي لبلدان المغرب العربيِّ في القرنَيْنِ السادس عشر والسابع عشر.
وتعود الأحداث في الأساس إلى هزيمة الموحِّدين المغاربة في معركة “العقاب” الشهيرة في الأندلس ضد التحالف الأوروبي الضخم بقيادة إسبانيا، والبرتغال، وفرنسا، حيث أدَّتِ الهزيمة الثقيلة للموحدين أمام الأوروبيِّين إلى تفكك الدولة الموحدية تدريجيًّا، ، وظهرت تدريجيًّا دُوَيْلات مستقلة في تونس والجزائر، والأندلس وشرق المغرب.
لكن الإسبان – في محاولة منهم لنقل المعارك إلى الساحل المغاربي – قاموا باحتلال السواحل التونسية والجزائرية، مستفيدين من ضعف الجزائر وتونس، وهنا ظهر المجاهد البَحَريُّ عروج، الذي عُرِف لدى الأوروبيِّين بلقب الكابتن بارباروسا، وأصل هذه التسمية هو أن عروج كان قد اشتهر في غرب البحر الأبيض المتوسط بعد إنقاذه الآلاف من الأندلسيِّين من الاضطهاد الإسباني، فصار الأندلسيُّون يسمونه: بابا عروج، أو “بابا اروتس”؛ تقديرًا له لخدماته الجليلة لهم، فحرَّف الإيطاليون ذلك اللقب إلى بارباروسا، الذي يعني: ذا اللحية الحمراء.
“شاهد أيضًا: الشيخ فرحان السعدي“
وقد اتَّخذ عروج من جزيرة جربة التونسيَّة مركزًا لانطلاق الجهاد البحري في المتوسط ضد الاستعمار الإسباني، فقام بتحرير السواحل التونسية والجزائرية من الاحتلال الإسباني، واستطاع بعد ذلك تأسيس دُوَيْلة مستقلة عن الاحتلال الإسباني في شمال الجزائر، ثم أعلن ولاءه للعثمانيِّين في إسطنبول، وهذا ما هدَّد المصالح الاستعمارية الإسبانية، فقامت هذه الأخيرة بالتوغُّل في الجزائر، والاستيلاء على تلمسان؛ مما مكَّنها من أَسْر عروج، ثم إعدامه لاحقًا.
وبعد استشهاد عروج صار خير الدين بارباروسا خلفًا لأخيه في حكم الجزائر في سنة (1518م)، فكان عليه مجابهةُ الاحتلال الإسباني للسواحل الجزائرية، فما كان منه إلا أن بدأ حركة الجهاد البحري في المتوسط من جديد، واستطاع خلال سنوات قليلة تحريرَ كلِّ السواحل الجزائرية من الاحتلال الإسباني، وقد شعرت الممالك الأوربية برعب شديد من الغارات التي كان يشنُّها خير الدين بارباروسا على سواحلها وجُزرها وسفنها، خصوصًا أنه استطاع القيام بمَهمة مستحيلة، تمثَّلت في إنقاذ وتحرير أكثر من سبعين ألفَ أندلسيٍّ داخل إسبانيا، التي كانت تعتبر أقوى مملكة أوروبية في ذلك الوقت.
وبفعل غاراته المتلاحقة على السواحل الأوروبية؛ عقَدَت الممالك الأوروبية حلفًا صليبيًّا للقضاء على خير الدين بارباروسا، فقام حلف مكوَّنٌ من إسبانيا والبرتغال والبندقية والقوات الباباوية بمواجهة الأسطول العثماني بقيادة برباروسا في معركة “بروزة” البحرية، التي انتهت بانتصار ساحقٍ للأسطول العثماني، وسيطرته بشكل كامل لأكثر من ثلاثين سنةً بعد المعركة على البحر الأبيض المتوسط.
وفي الفقرة القادمة سنتحدث عن واحد من أمراء البحر لا يعرفه أحد ربما ولم ينل شهرة غيره سنتحدث عن قرب ونقرأ سيرته بإذن الله ونرى كيف انقلب من النقيض إلى النقيض فكونوا معنا.
“اطلع أيضًا على: شيخ المجاهدين عمر المختار“
جاك سبارو
بما أن معظم أحداث التاريخ الإسلامي المجيد قد زورت ودُلست فقد لا يتصور البعض ان شخصية جاك سبارو التي جسدها الممثل جوني ديب في عدة أفلام شهيرة جداً تحت إسم “قراصنة الكاريبي” هي في الأصل لبطل مسلم كبير من العصور الوسطى.
ووفقا لموقع إنسايد هوليوود، فإن الاسم الحقيقي لجاك سبارو هو جاك وارد، وكان يعرف باسم جاك بيردي، ولد في المملكة المتحدة سنة 1553 في كينت بجنوب شرق إنجلترا في عائلة فقيرة في المناطق الساحلية، وقضى سنوات شبابه في صيد أسماك المستنقعات، في صباه تم القبض على السفينة التي كان على متنها من قبل سفينة إسبانية، ونشبت بين السفينتين معركة شرسة قتل خلالها قائده وسرعان ما تولى جاك عجلة القيادة وقاد طاقمه إلى بر الأمان، أصبح جاك أخطر قرصان والأكثر مهابة في العالم بعد غزو الأرمادا الاسپانية لإنجلترا بإيعاز من الملكة إليزابيث الأولى ملكة إنجلترا.
“اطلع أيضًا على: الشيخ عز الدين القسام“
وبعد تولي جيمس الأول العرش في عام 1603 أنهى الحرب مع إسبانيا، أثر ذلك في وضع القراصنة وأُجبروا على التوقف عن العمل. ومع ذلك رفض العديد منهم التخلي عن مصدر رزقهم واستمروا في عملهم من دون ترخيص القصر الملكي، وتم إعتبارهم قراصنة لعدم حصولهم على تراخيص ملكية.
أما جاك سبارو فقد إلتحق بالبحرية الملكية البريطانية حيث تم وضعه في قاعدة حربية بحرية وعمل على متن سفينة تسمى “ليونز ويلب” وبعد أسبوعين قام جاك و30 من زملائه بسرقة سفينة صغيرة كانت راسية في “بورتسموث” في منطقة “هاربور” ثم أبحر جاك وطاقمه إلى جزيرة “وايت” و استولوا على سفينة أخرى تسمى “ذي فيوليت” وتم انتخاب جاك من طرف رفاقه كزعيم لهم وكانت أول مرة في التاريخ يتم إنتخاب زعيم للقراصنة.
أبحر جاك سبارو وطاقمه إلى جزيرة وايت واستولوا على سفينة أخرى تسمى ذي فيوليت، وقام جاك سبارو بتغير اسم السفينه إلى ليتل جون أي “جون الصغير”. وكانت السفينة تحتوي على متنها كنزًا للاجئين كاثوليك رومانيين. ولكن العملية فشلت لعدم إيجاد أي أثر للكنز، ولكن جاك استعمل ذي فيوليت للإستيلاء على سفينة فرنسية أكبر بكثير. وقد أبحر جاك وطاقمه إلى البحر الأبيض المتوسط واستولى على سفينة حربية و 32 بندقية كانت على متنها فغير إسمها إلى ذي جيفت أي “الهبة”، ثم بدأ جاك وطاقمه بمهاجمة السفن التجارية لمدة سنتين.
فى عام 1605 مر جاك سبارو قرب السواحل المغربية واتفق مع حاكم تونس “عثمان داي” لاستخدام تونس كقاعدة للعمليات في مقابل خُمس الغنائم، ومن هذه القاعدة قام جاك بالإستلاء على عدة سفن تجارية ذات قيمة بسهولة، ولكن بعد عودته إلى تونس في 1607 تم إبلاغ جاك أن إحدى سفنه الكبيرة بدأت تغرق مع عدد من ضباطه، هجر جاك سباروالسفينة إلى واحدة من السفن الفرنسية التي كان قد غنمها. وغرقت السفينة في سواحل اليونان مع 400 من أفراد الطاقم منهم 250 مسلم و 150 إنجليز. وبعد عدة أسابيع فقد جاك سفينته الخاصة واثنين آخرين استولت عليهما حكومة البندقية.
وبعد الغضب العارم الذي انتشر بين المسلمين على جاك لغرق 250 مسلم من رجاله بعث إلى جيمس الأول ملك إنجلترا رسالة إستعطاف يطلب فيها عفوًا ملكياً، والتي قوبلت بالرفض القاطع. لذلك عاد جاك إلى تونس وحصل على حماية تونسية كما وعده عثمان داي من قبل.
اعتبر إسلام جاك واسمه العربي فضيحة في أوروبا، وقام العديد من الأدباء في أوروبا بإدانة جاك في أعمالهم الأدبية ونعتوه بالمجاهد البحري والمرتد عن المسيحية والمعتنق لدين العرب، وأقيمت مسرحية للأديب الدرامي روبيرت دابورن بعنوان “مسيحي يتحول إلى التركية”، ولكن هذا لم يغير شيئاً فقد اعتنق جاك الإسلام هو وكامل طاقمه وغير اسمه إلى “يوسف ريس” وتوقف عن شرب الخمر، بالرغم من أنه كان معروفًا عنه أنه سكير كبير، وتزوج من فتاة اشهرت إسلامها بعد هروبها من الكنيسة تدعي ياسمينة الصقلية. في حين استمر في إرسال المال لزوجته الإنجليزية.
وقد مكَّنه موقع تونس الإستراتيجي كقاعدة لعملياته البحرية من القيام بدور بارز في إنقاذ الآلاف من المسلمين واليهود الهاربين من بطش محاكم التفتيش الإسبانية، التي كانت تُجبِرُهم على التنصُّر، وساعد في نقلهم من إسبانيا إلى السواحل المغربية والتونسية بعد أن تمَّ طردُهم من الأندلس في القرن السادس عشر، ويذكر أنه قد شارك مع القراصنة المغاربة في حملات بحرية كثيرة من أجل إنقاذ الأندلسيِّين من محاكم التفتيش، وكان يستخدم جمهورية أبي رقراق في مدينة “سلا” المغربية كقاعدة متقدِّمة لحملاته البحرية في المحيط الأطلسي. ودخل فى حرب عصابات مع الإسبان حتى أصبحوا يشعرون بالرعب والخوف بمجرد ذكر اسمه أمامهم.
“قد يهمك أيضًا: زفرة العربي الأخيرة“
وقد أسهم جاك سبارو مع القراصنة المغاربة كإبراهيم بركاش وغيره في تدمير عمليات الملاحة الأوروبية في عهد السعديِّين، وكان عدد كبير من الأوروبيين قد اعتنقوا الإسلام، وأسَّسوا حركة “المتمردين” وانضموا إلى الجهاد البحري في المتوسط للقراصنة العرب، وكانت جمهورية أبي رقراق في مدينة “سلا” المركز الرئيس لتجمُّع القراصنة المشهورين في العالم في ذلك الوقت، حيث كانت تحظَى بحكم ذاتي بعيدًا عن السلطة السعدية بالمغرب، ولكنها منحَت المغرب والجزائر هيبةً دولية كبيرة، وجعلت أقوى بلدان العالم تحاول أن تعقِدَ معهما اتفاقيات سِلْمٍ أو صداقة، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية نفسُها تؤدي جزيةً سنوية للقراصنة المغاربة والعثمانيين؛ من أجل عدم التعرُّض لمراكبها.
كان جاك سبارو ذكيًا جداً ودائماً ما كان يصيب الجميع بالدهشة لحفظه وإتقانه للبحار والمحيطات وخباياها، فقد كان بحق قبطان البحار والمحيطات وسيدها فى العصور الوسطى، وعن شكل سابارو فقد وصفه أحد البحارة بأنه رجل قصير القامة شديد البياض، ذو لحية داكنة يكثر من القسم وفى حالة سكر دائم (قبل أن يسلم). عاش جاك وارد ما تبقى من حياته بقصره في تونس حتى وفاته عن عمر يناهز 70 عام متأثراً بمرض الطاعون.