لماذا يتذكر البعض أحلامهم وينساها الآخرون؟
تقول كاتبة المقال سارة فيلدينغ أنها بدأت برؤية الأحلام وإدراكها في سن الثالثة أو الرابعة، وتمكنت من تذكر أحلامها يوميًا.
بعض هذه الأحلام كانت تنساها بعد يوم أو يومين، بينما استطاعت سارة تذكر العديد من أحلامها لعدة سنوات أو أشهر.
ظنت سارة في البداية أن الجميع قادر على تذكر أحلامه، حتى وصلت للسنة الأخيرة في الثانوية، حيث قامت بالعمل مع وحدة الأحلام في فصل علم النفس.
تقول سارة:” طلبت منا المعلمة رفع أيدينا إذا كنا نستطيع تذكر أحلامنا يوميًا في الصباح، وصُدمت عندما رفعت يدي أنا وطالب آخر فقط في الصف كله الذي يضم أكثر من عشرين طالبًا.
عندها اكتشفت أن العديد من الأشخاص لا يتذكرون أحلامهم عند استيقاظهم، وهذا ما دفعني إلى سؤال نفسي “لماذا يتذكر البعض أحلامهم وينساها الآخرون؟”.
هل ما أمر به أمر جيد أم سيء؟
هل السبب هو أني لا أنام جيدًا؟
استمرت هذه الأسئلة في خاطري حتى أصبحت في العشرينات من عمري وقررت البحث والتحقيق أكثر في هذا الشأن”.
لماذا نحلم؟
قبل الحديث عن الإجابة على سؤال:” لماذا يتذكر البعض أحلامهم وينساها الآخرون”، كان من الأجدر البحث عن أسباب الحلم، ومتى نحلم ولماذا؟
نستطيع جميعنا رؤية الأحلام خلال مرحلة نوم حركة العين السريعة أو ما تُعرف باسم مرحلة الريم، ويُمكن أن نصل لهذه المرحلة عدة مرات خلال الليل، وفي هذه المرحلة تزداد حركة الجسم ونتنفس بشكل أسرع.
يقول المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لإحدى الشركات الناشئة في مجال تكنولوجيا النوم “أن الحلم يحدث في مرحلة الريم لأن نشاط موجة الدماغ يُصبح أقرب إلى وضعه عند استيقاظنا.
تبدأ مرحلة الريم غالبًا بعد نومنا بمدة 90 دقيقة، ويُمكن أن تُشكل هذه المرحلة حوالي الساعة من نومنا بأكمله”.
سواء تذكرنا أحلامنا أم لا، فجميعنا نرى الأحلام خلال نومنا، وهذا لأن رؤية الأحلام هي وظيفة أساسية للدماغ البشري.
وكما يقول الدكتور أليكس ديميترو الحاصل على شهادتين في الطب النفسي وطب النوم، وهو مؤسس مينلو بارك للطب النفسي وطب النوم:” إذا كان الجميع يحلم، فلماذا لا نستطيع جميعنا تذكر أحلامنا؟”
في الحقيقة، تختلف الإجابة على هذا السؤال بناء على تفسير سبب رؤية الأحلام، ويوجد العديد من النظريات في هذا الصدد.
يعد البحث عن الأحلام وأسبابها من المجالات الواسعة والمعقدة، كما يصعب دراستها مخبريًا، وهذا لأن نشاط الدماغ لا يُخبرنا بمحتوى الأحلام، ومصدر المعلومات الوحيد هو كلام الأشخاص المشاركين في الأبحاث.
تذكر الأحلام
يقترح بعض الخبراء أن الأحلام تُعبر عن أفكار العقل الباطن، بينما يقترح مجموعة أخرى من الخبراء أن الأحلام هي محض هراء من الدماغ نتيجة لنشاط أدمغتنا خلال اليوم.
ويُمكن أن تعتبر الأحلام مؤشرًا على قيام الدماغ بعملية ترميمية للأفكار والمعلومات التي تلقيناها خلال النهار.
وبذلك فإن أبرز أسباب تذكر الأحلام هو أن الدماغ اعتبر هذه الأحلام معلومات غير ضرورية ولا يلزم تذكرها.
يقوم دماغنا خلال رؤيتنا لأحلام بمعالجة المعلومات، وذلك بإزالة المعلومات الغير ضرورية ونقل المعلومات الضرورية إلى الذاكرة طويلة المدى.
كما يقول أحد خبراء النوم أن دماغنا قد يحجب أحلامنا حتى لا نتذكرها في اليوم التالي، وخصوصًا إذا كان الحلم واقعيًا وكثيفًا للغاية، مما يؤدي إلى الخلط بين اليقظة والحلم، ونتيجة لذلك يقوم الدماغ بحجب هذا الحلم بشكل طبيعي.
هل سبق وأن رأيت هذه الأحلام الواقعية للغاية لدرجة أنك تظن أنك رأيت هذه الأحداث بالفعل؟
هذه الأحلام مقلقة وموترة أليس كذلك؟
لذلك يقوم دماغنا بنسيان هذه الأحلام حتى نتمكن من التفريق بين العالم الحقيقي وأحلامنا.
في المقابل، يُمكن لنشاط الدماغ السماح للشخص بتذكر أحلامه بسهولة، وهذا يحدث في منطقة في الدماغ يُطلق عليها اسم التقاطع الصدغي الجداري، وهي نقطة التقاء الفص الصدغي والفص الجداري في داخل الدماغ.
يُعالج التقاطع الصدغي الجداري المعلومات والعواطف، وتقول خبيرة النوم المعتمدة جولي لابمرت أن هذه المنطقة يُمكن أن تجعلك في حالة يقظة خلال النوم، وبالتالي تتذكر الأحداث والمعلومات التي تراها في حلمك بشكل أفضل.
كما أظهرت دراسة منشورة في مجلة علمية مرموقة أن الأشخاص القادرين على تذكر أحلامهم لديهم نشاط أكبر في منطقة التقاطع الصدغي الجداري مقارنة مع الأشخاص الغير قادرين على تذكر أحلامهم.
لماذا يتذكر البعض أحلامهم وينساها الآخرون؟
تقول جولي لامبرت:” إذا لم تستطع الحصول على قسط كافٍ من النوم ولفترة مستمرة وطويلة، فإن مرحلة حركة العين السريعة أو الريم ستصبح أقصر بمرور الوقت، مما يمنعك من تذكر أحلامك في اليوم التالي.
ويظن العديد من الخبراء ومنهم جولي لامبرت أن صفات شخصية الفرد يُمكن أن تؤثر على قدرته على تذكر الأحلام، حيث تقول جولي:
“نظر الباحثون أيضًا في الصفات الشخصية الأكثر شيوعًا والتي يتمتع بها الأشخاص القادرون على تذكر أحلامهم، وعمومًا استطعنا ملاحظة أن الأشخاص ذوي الخيال الواسع والتفكير الإبداعي لديهم قدرة أكثر على تذكر أحلامهم مقارنة بالأشخاص الواقعيين والعمليين الذين يُواجهون صعوبة في تذكر هذه الأحلام”.
يُمكن أن يعني هذا أن تذكر البعض لأحلامهم يعتمد على طبيعة شخصيتهم لا فقط على جودة نومهم.
كما يُمكن أن تسبب بعض العوامل الأخرى مثل الإجهاد، التوتر، القلق واضطرابات ما بعد الصدمة إلى أن يحلم الأشخاص بأحلام واضحة أو كوابيس، وغالبًا ما يستطيع هؤلاء الأشخاص تذكر كوابيسهم في اليوم التالي.
على سبيل المثال الشخص الذي يتعامل مع حزنه الداخلي نتيجة فقدان أحد أفراد أسرته يُمكن أن يحلم أحلامًا مفصلة ومتعلقة بالموت، ويتذكر حلمه في اليوم التالي مما يؤثر على حالته المزاجية ويُسبب له مزيدًا من التوتر والقلق.
تقول سارة كاتبة المقال أنها ككاتبة تحلم بشكل مستمر وتُركز على التأمل الذاتي بأن هذه المعلومات غير مفاجئة بالنسبة لهاـ ومع بحثها أكثر في الموضوع تطورت طريقتها في رؤية أحلامها.
ففي طفولتها كانت ترى أحلامها وكأنها تُشاهد فلمًا ما، فهي ترى نفسها من خارج المشهد، وحاولت تدريب ذاتها على رؤية المشهد بعينها الخاصة، ولاحظت أن قدرتها على تذكر الأحلام انخفضت بشكل كبير.
كما تُضيف سارة قائلة:” في بعض الأحيان، تنبني أحلامي معًا، فيُكمل كل حلم الحلم الذي يسبقه، أو أرى تكملة لحلم سابق في الحلم الحالي، وهذا يُمكن أن يكون علامة على أن عقلي يستمر في سرد قصته خلال نومي”.
هل تؤثر الأحلام على جودة النوم؟
تقول سارة أنها كانت قلقة من أن أحلامها دليل على ضعف جودة نومها، ولكن اتضح أن مبدأ الأحلام بحد ذاته لا يؤثر على جودة النوم.
في المقابل يُمكن أن تكون القدرة على تذكر الأحلام دليل على وجود حالة صحية معينة أو الحاجة لدواء معين.
كما يُمكن أن تُساهم بعض الاختلافات الحيوية في تذكر الأحلام بعد الاستيقاظ، ولا يجب تجاهل وجود أسباب طبية لذلك تتمثل في أي سبب يؤدي لإنقطاع النوم المفاجئ.
ففي حالات مثل توقف التنفس خلال النوم، يُمكن أن تستيقظ فجأة خلال مرحلة نوم الريم، وهذا يجعلك تتذكر حلمك بتفاصيله نتيجة استيقاظك فجأة في منتصف الحلم.
إذا كنت ترى باستمرار الأحلام الصادمة والكوابيس التي توقظك من نومك تأكد حينها من زيارة الطبيب وإخباره بذلك، وهذا لأن الكوابيس المستمرة قد تكون علامة على حالة صحية ما.
المرجع: