مرض الميثومانيا “الكذب القهري”
جميعنا بشر ولسنا ملائكة، أليسَ كذلك؟ وهذا يدّل على أنَ الإنسان يرتكب الكثير منَ الأخطاء في حياته، البعض منهم يتعلّم من تجاربه ويتفادى الوقوع بها، والبعض الآخر تُعجبه هذه العادة ويستمرّ بها لإشباع رغباته، ومن أبرز الأخطاء التي يقع بها أي إنسان هيَ {الكذب} فمن منّا لم يُكذب في حياته؟ حتى ولو أنها كذبة بيضاء على الأصدقاء أو أفراد العائلة؟ ولكن الكذب يختلف باختلاف الأفراد وقدرتهم على التعمّق بهِ والاعتياد عليه في حياتهم، فهل لكَ أن تتخيل وجود فئة منَ الأشخاص مهمتهم الوحيدة هيَ المبالغة والكذب من أجل إرضاء الآخرين؟ حتى أنَ بعضهم يُصدّق الأكاذيب التي يتداولها عن نفسه ويتناسى الحقيقة ويغفل عنها.
ونوّد الإشارة، أنَ الأمراض النفسية منَ المُمكن أن تُصيب أي إنسان، فهيَ منتشرة بكثرة ومتنوعة ومختلفة عن بعضها من حيث الأعراض والعلاج، ولكن من أخطرها مرض الميثومانيا “الكذب القهري”، إنَ هذا المرض تمَ اكتشافه من قِبَل طبيب ألماني {أنتون ديلبروك} خلالَ عام 1891، وتمَ تشخيصه في أنهُ يُصيب الإنسان بحالةٍ منَ الخداع والكذب المستمر بحيث لا يُمكنهُ إلّا الكذب عن حياته والمبالغة في وصف التفاصيل للآخرين وتهويل الأمور واختلاق أحداث غير موجودة، فما هوَ مرض الميثومانيا؟ وما هيَ أعراضه؟ أسبابه؟ وطرق علاجه؟
ما المقصود بمرض الميثومانيا “الكذب القهري”؟
هل لاحظتَ من قبل أشخاصاً يكذبون بشدّة؟ بالتأكيد أنكَ صادفتَ الكثيرين منهم، ولكن السؤال الأهم هل صادفتَ شخصاً لا يتكلم الحقيقة أبداً؟ شخصاً يُحاول خداعك في مهنته ومجاله وحياته الاجتماعية والتباهي بقدراته وإنجازاته أمامك ولكنهُ غير صادق أبداً؟ إذا أهلاً بكَ في التعامل معَ مريض الميثومانيا أو هوس الكذب والذي يحتاج منكَ معرفة كاملة عن مرضه النفسي.
فمنَ الجدير بالذكر، أنَ الميثومانيا أو كما يعرف أيضًا بالكذب القهري أو هوس الكذب، هو عبارة عن مرضٍ يُصيب الإنسان ويُسيطر عليه ويجعلهُ يكذب في البداية بشكلٍ بسيط، ولكن عندما يُلاحظ أنَ هذه الطريقة تُشبع رغباته وتزيد من ثقته بنفسه، يُحاول الاعتماد عليها في كل مرة يُقابل أشخاصاً جدد في حياته، ومنَ المُمكن أن يُصدّق أكاذيبه ويتغافل عن حقيقة الأمر وأثناءَ كشفه من قِبَل الآخرين يُحاول التهرّب أو تأكيد صحة أكاذيبه بطريقةٍ مخادعة لإثبات أقواله.
بالإضافة إلى أنَ الكذب المستمر قد يُؤدي بهِ لتخيّل سيناريوهات وقصص خيالية ويُصدّقها وينقلها لأصدقائه وأفراد عائلته على أنها أحداث حقيقية واجهها في حياته، ويُحاول إظهار شجاعته وشهامته من خلالها لكسب المدح والتباهي بنفسه، وبالرغم من أنَ المريض يعلم أنها أكاذيب إلّا أنهُ لا يستطيع الابتعاد عنها بسبب شعوره باللذه والمتعة والنشوة أثناءَ رؤية ردود أفعال الآخرين عندما يكذب عليهم ويُصدّقونه ويتفاعلون معه، ممّا يمنحه رضا كبير عن نفسه وذاته الداخلية، وللأسف الطرف الآخر هوَ من يتأذى في هذه الحالة عندما يفتح عينيه وتنكشف الحقيقية أمامه وتخيب آماله في الإنسان المُصاب بالكذب القهري.
ما هيَ أعراض وعلامات مرض الميثومانيا؟
إنَ الإصابة بهذه الظاهرة الغريبة تُؤدي لظهور عدّة أعراض وعلامات على الفرد عندما يُدمن عليها، ومن أبرزها:
- الحديث الدائم عن النفس وخاصةً المديح وذكر المواقف التي تُبيّن البطولة والشهامة والإنجاز الذي حققه في حياته أمامَ الآخرين.
- التخيّل الدائم لقصصٍ يتمنى تحقيقها أو يطمح في الوصول إليها داخل عقله ونقلها للآخرين على أنها أحداث حقيقية.
- لمس الأنف بشكلٍ متكرر أثناءَ الحديث ممّا يدّل على كذب أقواله بسبب زيادة تدّفق الأدرينالين.
- تجنب التواصل البصري معَ الطرف الآخر أثناءَ الأحاديث.
- الرمش الدائم في العينين أثناءَ الأحاديث أيضاً.
- التعرّق المستمر عندما يُقابل الآخرين ويتحدث معهم.
- لفت الانتباه قدر الإمكان.
- قلّة الثقة بنفسه دونَ أن يُبيّن هذا الشعور لأحد.
- الاختلاط بالآخرين وخاصةً الأشخاص الغرباء.
ما هيَ أسباب الإصابة بمرض الميثومانيا؟
لهذا المرض النفسي أسباب وعوامل أدّت لإصابة الفرد بالكذب القهري دونَ أن يتوقف عنه ممّا يُسبب لهُ نتائج سلبية على حياته، ومن أبرز الأسباب:
- تعزيز النقص الداخلي: جميعنا نتمنى الحصول على شهادةٍ دراسية وأموال كثيرة وراحة بال وعائلة لطيفة، ولكننا نسعى ونبذل قصارى جهدنا لتحقيق هذه الأحلام، ولكن بالنسبة لمريض الميثومانيا فهوَ يتخيل ما ينقصه ويُشبع رغباته بالكذب أمامَ الآخرين، فمنَ المُمكن أن يكون راسب في صفه الجامعي ولكنهُ يتباهى أمامَ زملائه أنهُ على وشك التخرج، أو أحياناً لا يملك المال الكافي ولكنهُ يتباهى أمامَ الآخرين بعائلته الثرية ووضعه المادي المرتفع بهدف الحصول على نظرة وقار منَ الأشخاص المحيطين بهِ.
- لفت الانتباه: أحياناً يتعرّض الطفل في مراحله المبكّرة منَ العمر إلى التجاهل والتنمر وخاصةً من قِبَل المقربين، وعندما يشعر بالجفاف وقلّة الاهتمام والحب تجاهه، يُحاول أن يُحاكي الأفراد من عمره الذينَ يتميزون بشعبيةٍ كبيرة لأنهم مميزون في دراستهم أو يمتلكون موهبة فريدة، ولذلك يبدأ المريض بالكذب ويعتاد على ذلك للتقرّب منَ الآخرين ورفع قيمته بينهم.
- وجود خلل عصبي: أيضاً منَ الأسباب التي تُؤثر على طريقة عمل الدماغ عندَ الإنسان المُصاب، فتواجد كمية زائدة منَ المادة البيضاء في دماغ الإنسان كانت عامل مشترك بينَ المُصابين بالميثومانيا.
ما هيَ طرق علاج مرض الميثومانيا؟
علينا القول أنَ الكذب عادة سيئة جداً، ولكن إذا كانَ المُصاب بهذه الظاهرة من أفراد عائلتك أو قريب منك، فحاول أن تُساعده على التخلص منها بدلاً منَ الابتعاد عنه ومخاصمته، فهوَ لن يتمكّن بسهولة منَ العلاج إلّا باتباع خطوات عديدة تتمثل في:
- العلاج السلوكي المعرفي: يجب أن يذهب المُصاب إلى المعالج الذي يُساعده في تشخيص حالته وتحديد عدّة جلسات من أجل فهم ما يدور في ذهنه ومساعدته على تحقيقه بشكلٍ واقعي أو التخلص منه، فهذا النوع منَ العلاج يُرتب أفكار الإنسان ويُعيد تنظيم سلوكياته وأفعاله ويُحاول تعزيز ثقته بنفسه وتقبل ذاته بدلاً منَ اللجوء إلى الكذب لإرضاء الآخرين.
- الأدوية: أحياناً يصف الطبيب بعض الأدوية إذا كانَ الكذب القهري يرتبط بأمراضٍ نفسية أخرى مثل مضادّات الاكتئاب والقلق.
- خلق بيئة اجتماعية مريحة: إذا كنتَ تشعر بأنَ حالة مريض الميثومانيا تتدهور ويُصدّق أكاذيبه ويتراجع في حياته الاجتماعية ويخسر الكثير منَ الأشخاص حوله بسبب خداعه لهم، حاول أن تتقرّب منه وتمدحه بكثرة وتُحاول أن تُعزّز ثقته بنفسه وتستعن بأفراد العائلة من أجل منحه الحب والاهتمام، فعندما يُلاحظ أنَ الآخرين يحبونه لذاته دون أي بذل مجهود منه في الكذب عليهم، سيُحاول تقبل ذاته الداخلية ويتراجع عن هذه العادة.
لا تُحاول أن تقع ضحية لأكاذيب هؤلاء الأشخاص أو خداعهم لك، فالبعض منهم يشعر بتأنيب الضمير ويحتاج إلى المساعدة كونهُ يلجأ إلى الكذب القهري بسبب حياته التعيسة التي يعيشها أو بسبب التجارب المؤلمة التي واجهها في حياته، ولكن البعض الآخر منهم يُصابون بالميثومانيا ويُحاولون خداع الآخرين والاستهزاء بعقولهم من أجل كسب مصالحهم فقط دونَ إدراك مشاعر الطرف الآخر، ولذلك لا تُصدّق أي شيء يُقال لكَ دونَ التأكدّ من صحتّه.
{{نأمل أن يعجبكم المقال أيها الرائعون}}.