متى كان فتح مكة المكرمة
كان فتح مكة المكرمة في العاشر من رمضان من العام الثامن الهجري، وسببه نقض قريش لعهد الحديبية، حيث دخل النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة بعد أن استعد لذلك جيدًا، وطوق مكة المكرمة من أربع جهات، فدخلها على ناقته خاشعًا متواضعًا وهو يقرأ سورة الفتح، واتجه عليه الصلاة والسلام نحو البيت الحرام مكبرًا، فطاف في البيت سبعًا، وصلى في مقام إبراهيم ركعتين، ثم خطب في الناس، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وكانت العزة والنصر لدين الإسلام.
ما هي قصة فتح مكة المكرمة
في سنة 6 هـ اتفق المسلمون وقريش على صلح الحديبية، وكان من بين بنود الصلح أنه من أراد الدخول في حلف الرسول دخل فيه، ومن أراد الدخول في حلف قريش فله ذلك، فدخلت قبيلة خزاعة في حلف الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، بينما دخل بنو بكر في حلف قريش وعهدهم.
قام بنو بكر بنقض الصلح، وأغاروا على قبيلة خزاعة لثأر قديم كان بينهم، فسارعت قريش لإعانة بنو بكر بالسلاح والرجال سرًا، فأخبرت قبيلة خزاعة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام بالأمر، فأعد الرسول جيشًا من المسلمين لنصرة قبيلة خزاعة، وحرص على عدم وصول هذا الخبر إلى قريش، وكتم الأمر حتى عن صاحبه أبي بكر، وزوجته عائشة رضي الله عنها، فلم يكن أحد يعرف وجهة الرسول أو أهدافه.
علمت قريش بالأمر بعد فوات الأوان، وكانت قد أرسلت أبو سفيان بن حرب إلى المدينة المنورة لتسوية الأمور وتجديد الصلح مع المسلمين، فرفض الرسول طلبه، ولجأ ابن حرب إلى أبو بكر وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، ولم يعده أحد منهم بشيء، وأصر الرسول على الرفض، وأمر بقتال قريش.
في الأثناء التي كان فيها الرسول الكريم يستعد للتوجه إلى مكة المكرمة، حاول حاطب بن أبي بلتعة البدري بإخبار أهل مكة بمسير النبي نحو مكة، فأرسل لهم كتابًا مع امرأة استأجرها بعشرة دنانير، فأخفت الكتاب في ضفائرها، وعندها أتى الوحي على النبي ليخبره بقصة حاطب، فأرسل علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وراء المرأة، ولما وصل الكتاب إلى النبي دعا حاطب وعاتبه على فعلته، ثم عفا عنه.
وجد الرسول الكريم في الاعتداء على خزاعة فرصة سانحة لفتح مكة المكرمة ونشر الدعوة، فأعد الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في السنة 8 هـ في 10 رمضان جيشًا مؤلفًا من 10 آلاف جندي من المسلمين، وكان صائمًا هو ومن معه من الجنود حتى إذا كان بالكديد أفطر الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، ثم مضى حتى نزل مر الظهران ومعه جيشه، وخرج به من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة، والتحق به ألفا رجل من القبائل المسلمة حول المدينة من غفار وأسلم وأشجع وسليم ليصبح عدد جيش المسلمين 12000 جندي.
عندما اقترب المسلمون من مكة المكرمة أرسل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عمه العباس إلى قريش ليخبرهم بمجيء جيش المسلمين، ويدفعهم لطلب الأمان بدلًا من الدخول في الحرب، فالتقى العباس بأبو سفيان وأقنعه بالذهاب معه إلى الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، وعندما التقى أبو سفيان مع الرسول أعلن إسلامه.
أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بإضرام النار، فأوقد الجيش عشرة آلاف نار وذلك ليملأ قلوب المشركين بالخوف فتضعف نفوسهم، وأوكل عمر بن الخطاب على الحرس، فأسرع أبو سفيان إلى قومه قائلًا لهم: “يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن”.
عند وصول المسلمين إلى ذي طوى قام الرسول محمد عليه الصلاة والسلام بتقسيم الجيش إلى ثلاثة أقسام، عين خالد بن الوليد على القسم الأول وأمره بدخول مكة من الجنوب، وعين الزبير بن العوام على القسم الثاني وأمره بدخولها من الشمال، في حين عين أبو عبيدة بن الجراح على القسم الثالث وأمره بأن يسلك بطن الوادي، وأوصى الرسول أمراء جيشه بأن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم.
أدركت قريش أن جيوشها ستهزم إذا دخلت في الحرب مع المسلمين، لذلك عندما دخل الجيش الإسلامي إلى مكة التجأ أهل قريش إلى بيوتهم وإلى المساجد ليسلموا من القتل، باستثناء الاشتباك الذي حصل بين جيش خالد بن الوليد وبين بعض أفراد قريش بقيادة عكرمة بن أبي جهل الذي رفض الاستسلام، وأراد قتال المسلمين، إلا أنه لم ينجح في ذلك.
عندما دخل الرسول إلى مكة المكرمة، ذهب إلى المسجد الحرام فأخذ الحجر الأسود وطاف بالبيت، وكان حاملًا بيده قوس يضرب بها الأصنام التي وضعتها قريش حول الكعبة وهو يردد قائلًا: “وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا” سورة الإسراء، آية رقم 81. “قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ” سورة سبأ، آية رقم 49.
عندما انتهى الرسول من الطواف أمر عثمان بن طلحة بإعطائه مفتاح الكعبة، فدخلها وأزال الصور التي كانت فيها، وصلى بداخلها ثم خرج منها، وأعاد المفتاح إلى عثمان بن طلحة، وأمره بالحفاظ عليه في عائلته مدى الدهر.
توجه الرسول محمد عليه الصلاة والسلام إلى أهل قريش قائلًا لهم: “يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟”، فقالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: “فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوانه: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء”، وأمر بلال الحبشي بأن يصعد على ظهر الكعبة ليؤذن للصلاة، ومكث الرسول في مكة المكرمة تسعة عشر يومًا ليعلم الناس أصول الدين ويهديهم إلى الحق، وأمر الناس بكسر الأصنام الموجودة في بيوتهم، وبهذا تم الفتح ودخلت مكة في دين الإسلام بعد أن كانت غارقة في شرك أهل قريش.
ما هي الدروس المستفادة من فتح مكة
تحمل قصة فتح مكة العديد من العبر والدروس التي تفيدنا في حياتنا اليومية، ونذكر منها:
- بيان أثر قضاء الحوائج بالكتمان، وظهر ذلك واضحًا عندما أخفى الرسول نيته ووجهته لقتال المشركين في مكة.
- بيان أثر نكث العهود وعاقبته، فعندما نكثت قريش بالعهد انهزمت وخسرت مكانتها بين العرب.
- بيان عبقرية النبي محمد عليه الصلاة والسلام في قيادة الجيوش ووضع الخطط الحربية.
- بيان أثر إظهار القوة للعدو ونتائجه في النصر، وتجلى ذلك عندما قام النبي بإضرام النار لإرهاب العدو.
- أثر العفو عن الناس، وتذكر محامدهم القديمة.
- بيان الرسول جواز السفر في رمضان، وجواز الصيام أو الإفطار فيه.
- عدم اليأس عند المصائب: فعندما نقض المشركين صلح الحديبية غضب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يكن يعرف أن هذا النقض بدايةً لفتح مبين.
- بيان مشروعية كسر الأصنام والتماثيل والتخلص منها.
- بيان أهمية التواضع وعدم التكبر أسوةً بنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وظهر ذلك عندما دخل الرسول إلى مكة متواضعًا رغم انتصاره.
كم كان عدد الشهداء المسلمين في فتح مكة
لم يقف أمام جيش المسلمين أحد من رجال مكة عندما دخلوها، ولم يضطر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمل السلاح عليهم، إلا فئة قليلة من بني بكر وبني الحارث بن عبد مناف، وناس من هذيل الذين استنصرت بهم قريش، فقاتلوا خالد بن الوليد رضي الله عنه الذي كان قد دخل مكة من أسفلها، ودار بينهم شباك خفيف حتى هزمهم خالد، وقتل من بني بكر 24 رجلًا ومن هذيل أربعة رجال، وهرب المشركون، وقتل من المسلمين رجلان أخطآ الطريق، أحدهما كرز بن جابر الفهري والآخر خالد الأشقر الخزاعي، وعندها عاتب الرسول خالد بن الوليد قائلًا: قاتلت وقد نهيتك عن القتال، فقال: هم بدأونا بالقتال، ورمونا بالنبال، وقد كففت يدي ما استطعت، فقال صلى الله عليه وسلم: قضاء الله خير.
ما سبب عودة الرسول إلى المدينة بعد فتح مكة
على الرغم من حب الرسول صلى الله عليه وسلم الشديد لمكة والتي أخرج منها عنوةً، فهي البلد التي نشأ فيها، ولكنه عندما هاجر إلى المدينة بعد إخراجه من مكة، واستوطنها ألفها، كان يدعو الله أن يرزقه حب المدينة، وكان قد عاهد الأنصار عند البيعة أن يبقى عندهم، ولا يخرج من بلدهم، فعندما فتح الرسول الكريم مكة المكرمة خاف الأنصار أن يبقى فيها، فقال لهم: (المحيا محياكم والممات مماتكم)، رواه مسلم، فما كان للنبي إلا أن أوفى بعهده للأنصار، وعاد إلى المدينة.
من أسلم يوم فتح مكة المكرمة
أدى فتح مكة المكرمة إلى دخول الناس في دين الإسلام أفواجًا، فقد عفا الرسول عن أهل مكة، كما عفا عن بعض من أهدر دماءهم، الأمر الذي أدى إلى إسلام العديد من أهل مكة، وكان من بينهم:
- أبو سفيان الذي كان من أهم رجال قريش وأكثرهم مالًا، ومعه زوجته هند بنت عتبة، وابنه معاوية بن أبي سفيان.
- صفوان بن أمية، وامرأته التي أسلمت قبله.
- سهيل بن عمرو.
- عكرمة بن أبي جهل.
- أبي قحافة والد أبي بكر.
- فضالة بن عمير الليثي.
- عبد الله بن الزبغري شاعر قريش.
- أنس بن زنيم.
كم سنة عاش النبي بعد فتح مكة
أقام النبي الكريم في مكة قبل النبوة مدة أربعين عامًا، ومكث في مكة بعد النبوة وقبل الهجرة مدة ثلاث عشرة سنة، وأقام في المدينة بعد الهجرة عشر سنين، وبذلك يكون عمره ثلاثًا وستين، وهو العمر الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:” بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَمَكُثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُوحَى إِلَيْهِ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ”، رواه البخاري.
فتح مكة المكرمة هو الفتح الأعظم والمبين الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده، وكان السبب في إسلام أهل مكة وإنهاء دولة قريش، وجعل الدولة الإسلامية قوة كبرى لا يستهان بها.